بتاريخ 25 نيسان/ابريل 2006 أصدر الرئيس بوش "أمراً تنفيذياً Executive Order بتجميد ممتلكات أشخاص إضافيين في ما له علاقة بحال الطوارئ الوطنية المتعلقة بسوريا"، على أن يُعمَل به بدءاً من 26/4/.2006 ومع أن "الأمر" المذكور لفت انتباه العديد من المراقبين بسبب مضمونه وتوقيته ولأنه تمّ الإعلان عنه من مكتب السكرتير الإعلامي للبيت الأبيض، إلا أنه لم يكن الأول في هذا المجال، بل إنه استند إلى <أمر> سابق أكثر شمولاً وقساوة هو <الأمر> الرقم 13338 الذي صدر بتاريخ 11 أيار/مايو ,2004 وأصبح نافذاً بدءاً من 12/5/2004! سنحاول في ما يلي إلقاء الضوء على مضمون هذين <الأمرين>، وعلى خلفيتهما وتداعياتهما.
مما يثير الانتباه، والريبة في نفس الوقت، أن <الأمر> ذا الرقم 13338 الذي أعلن حالة طوارئ وطنية بسبب <التهديد فوق العادي الذي تمثله سوريا لأمن الولايات المتحدة الوطني ولسياستها الخارجية ولاقتصادها>، صدر بتاريخ 11/5/,2004 أي قبل تمديد ولاية الرئيس إميل لحود، وقبل صدور القرار 1559 عن مجلس الأمن، وطبعاً قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وحتى... قبل المؤتمر الصحافي المشترك للرئيسين بوش وشيراك في فرنسا خلال الاحتفالات سنة 2004 بذكرى الإنزال الحليف في النورماندي!
يستند <أمر> أيار/مايو 2004 إلى قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية وإلى قانون الطوارئ الوطنية وإلى قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان (12 كانون الأول/ديسمبر 2003). وهو يعلن حالة طوارئ وطنية بسبب تصرف سوريا الذي يشكل برأي الرئيس بوش تهديداً فوق العادي للولايات المتحدة، ناجماً عن سياسة سوريا <بدعم الإرهاب، واستمرارها في احتلال لبنان، وسعيها للحصول على أسلحة للدمار الشامل وبرامج للصواريخ، وتقويضها لجهود الولايات المتحدة وللجهود الدولية من أجل استقرار العراق وإعادة إعماره> (كذا)!
واستناداً إلى حال الطوارئ المعلنة، يضع الرئيس بوش موضع التنفيذ بعض العقوبات التي سمح بها قانون محاسبة سوريا، ومنها مجموعة من العقوبات الاقتصادية بما في ذلك حظر الاستيراد والتصدير ومنع حقوق الطيران المدني ومنع التعامل مع المصرف التجاري السوري وصولاً إلى تجميد ممتلكات أشخاص، سوريين أو لبنانيين أو غيرهم، يمكن اعتبارهم متورطين بشكل أو بآخر في السياسات السورية التي تشكل تهديداً للولايات المتحدة. ويصيب تجميد الممتلكات كل ما هو موجود تحت سيادة الولايات المتحدة، بما في ذلك الفروع الأجنبية للمؤسسات الأميركية.
ثم جاء <الأمر التنفيذي> الأخير (25/4/2006) الذي سمح بتجميد ممتلكات الأشخاص المتورطين بجريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه وبأعمال الاغتيال والتفجير التي جرت في لبنان منذ الأول من تشرين الأول/أكتوبر .2004 واستند <الأمر> المذكور إلى نفس ما استند إليه <الأمر> السابق (لسنة 2004) إضافة إلى قرار مجلس الأمن الرقم 1636 تاريخ 31/10/.2005 وللتذكير، فإن القرار 1636 هو القرار الذي أصدره مجلس الأمن بعد أن بحث آخر تقرير للمحقق ميليس. واللافت أن <الأمر> الرئاسي يقول في حيثياته إن الرئيس بوش أخذ بعين الاعتبار عند إصداره <الأمر> المذكور، ما جاء في <... استنتاجات لجنة التحقيق الدولية في تقريرها تاريخ 19/10/2005 حول براهين متجمعة تشير إلى تورط لبناني سوري في الأعمال الإرهابية...>. بكلام آخر، فإن <الأمر الرئاسي> الأخير جاء استناداً إلى قرار لمجلس الأمن صدر قبل صدور <الأمر> الرئاسي بحوالى ستة أشهر!!! كما أنه استند إلى تقرير للمحقق ميليس أثير الكثير من التساؤلات حول نزاهته ودقته. وهنا نسأل، لماذا تأخر الأمر الرئاسي ستة أشهر عن تاريخ صدور قرار مجلس الأمن 1636؟ ولماذا صدر بعد مرور ستة أشهر على تقرير ميليس، وقبل حوالى أقل من ثلاثة أشهر من تاريخ صدور تقرير براميرتز الجديد؟
في ما خص تجميد الممتلكات (الموجودات على أنواعها) يلفتنا ما يلي: أولاً: إن التجميد يطال جميع ممتلكات الأشخاص المعنيين سواء كانت هذه الممتلكات تحت سلطة الولايات المتحدة أو لدى فروع في الخارج لمؤسسات أميركية. أي أن التجميد يطال مثلاً الأموال المودعة من قبل الأشخاص المعنيين في فروع مصارف أميركية خارج الولايات المتحدة! ثانياً: خوفاً من تهريب الممتلكات موضوع التجميد، فإن أسماء الأشخاص المفروض تجميد ممتلكاتهم لا يتم الإعلان عنها. ثالثاً: إن مروحة الأشخاص المسموح بتجميد ممتلكاتهم بموجب <الأمرين التنفيذيين> المذكورين، ممكن لها أن تكون واسعة جداً بحيث تطال كل من تشاء الإدارة الأميركية أن تعاقبه! رابعاً: يُفترض في كل من يُطلَب منه أن يتعاون مع الإدارة الأميركية بهذا الخصوص أن يكشف جميع المعلومات الضرورية واللازمة التي بحوزته من أجل تجميد الممتلكات، وذلك تحت طائلة العقوبات، المالية منها وعقوبات السجن أيضاً. وهنا نسأل، وننتظر الجواب: هل في ذلك ما يتعارض مع قانون السرية المصرفية في لبنان؟ وفي حال وجود مثل هكذا تعارض، فلمن تكون الأولوية؟