هل تستطيع القاهرة والرياض فك الحصار عن غزة؟ هو سؤال مبهم وخارج السياق المنطقي للبؤس الذي يعيشه القطاع والضفة أيضا، فتصنيف "مناطق السلطة" ربما ينتهي بسرعة ليس بفعل "نفوذ" حماس، بل أيضا لمحاصرة أي احتمال لانتفاضة ثالثة ربما لا تكون على شاكلة سابقاتها.
والواضح أن الدور السعودي والمصري تحول بشكل واضح منذ اندلاع الانتفاضة الثانية، لأنها أدت إلى ظهور واقع مستقل عن الأدوار العربية التقليدية، وكانت تجربة قمة بيروت وظهر واضح لعدم قدرة النظام العربي وأساليبه السياسية الكلاسيكية في طرح حلول ناجحة، فالمبادرة العربية، وهي سعودية بصورتها التوافقية والتوفيقية، جوبهت بعملية عنيفة داخل مدينة جنين، وهو ما استدعى تغير الشكل الاعتيادي للتعامل مع الموضوع الفلسطيني، وجعل الأدوار العربية محصورة داخل "الشارع" الفلسطيني بدلا من توجهها إلى المساحة العربية والدولية، فالمبادرة العربية الباقية كحالة احتضار مستمرة، يقابلها تحرك معاكس للتعامل السياسي مع القضية الفلسطينية بشقيها الاجتماعي والجغرافي، وهذا الأمر يظهر:
– في عملية التهميش التي تُمارس لصالح إيجاد "استراتيجيات" بديلة، فقضية الإرهاب على سبيل المثال لم تحتل مرتبة أعلى فقط، بل هي استوعبت كل الحالات الاجتماعية الأخرى في الشرق الأوسط، ومن هذه الزاوية يمكن النظر إلى مسألة مثل فتح الإسلام على أنها نقطة إغراق لتجربة المقاومة بأكملها، وهي نتيجة كاملة لأسلوب سياسي يحاول عبر تشتيت القضايا إزاحة محور الصراع باتجاه آخر.
– عبر إثارة حالة سياسية مرافقة، مثل المؤتمرات التي تتكرر (أنابوليس، حوار الأديان,,,) وهذا التعامل السياسي الذي يرعاه ما يسمى بـ"جناح الاعتدال" بدل بشكل تلقائي عناصر المعادلة في الصراع، فهو استبدل "الحقوق"، مثل حق العودة، بمواضيع أخرى مثل التفاهم، ودفع المجتمع الفلسطيني نحو ديسابورا جديدة داخل المفاهيم بعد أن تحقق الشتات الجغرافي.
– الأمر الثالث هو في الدخول إلى الشرط الفلسطيني الداخلي، وهو أمر معتاد داخل القضية الفلسطينية، لكنه اتخذ منحى جديدا بعد الانتفاضة الثانية، لأنه بدأ في عمليات المساومة الداخلية، أو التأكد من عدم ظهور ظروف ربما تدفع الوضع الفلسطيني إلى منطقة خارج التجاذب العربي – العربي.
مهما بلغت الصورة القاتمة للحصار غزة لكنها في النهاية ترتبط وبشكل سريع في الأدوار التي تلعبها كل من القاهرة والرياض للتأثير على الشرق الأوسط عموما، وهو ما يذكرنا بنفس الأدوار خلال حرب تموز.... فالمسألة على ما يبدو هي حصار من خمس نجوم، يتحرك على مساحة من البترودولار أو المساعدات التي يمكن أن تدفع سواء كانت مالية أو معنوية لدعم واقع سياسي.