إذاً ـ وهكذا يُحكى أو يسرّب عن سبق إصرار وترصد ـ سيطرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطة شاملة للسلام في الشرق الأوسط في الخريف المقبل!.. في الخريف المقبل؟!.. هذا يعني ببساطة أولاً انقضاء نصف زمن الولاية الرئاسية الأمريكية تقريباً ومن دون أن تقدّم الإدارة الأمريكية ـ التي لم تعد جديدة بعد انقضاء هذا الزمن ـ أيّ جديد على مختلف المسارات، سوى وجه سياسي واضح للإرباك والحيرة، إضافة إلى ما بقي في الذاكرة من خطابات وكلام معسول للرئيس باراك حسين أوباما خلال حملته الانتخابية وبعد فوزه، وخصوصاً في خطابه الطنّان الرنّان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، هذا الخطاب الذي جعلنا نظن أن هناك وجهاً آخر لهذه الإدارة التي لا بد أن تُخرج "الزير من البير" وتصنع عالماً جديداً!!.

الحال نفسه يعني وببساطة ثانياً أن المنطقة ستبقى حتى الخريف المقبل في ظل هذا المناخ السياسي المليئ بالغموض والتهويمات والقلق، الأمر الذي يوفر بيئة مناسبة لمزيد من الاستفزازات "الإسرائيلية" وتحدي القانون الدولي وتحدي الإنسانية كلها، والإمعان في الزعرنة والتهويل والتهديد والكذب كشكل من أشكال التعمية وتحويل الأنظار عمّا يحصل هناك في فلسطين من مواصلة لعمليات الترانسفير بحق الفلسطينيين وتمريرها، تماماً كما مر غيرها منذ ما يزيد عن ستين عاماً، وليتكرر الموشح نفسه: إدانة عالمية وعربية واسعة، تنديد بالإجراءات الإسرائيلية، تحذير من مخاطر تهجير الفلسطينيين، دقّ ناقوس الخطر إزاء المحاولات "الإسرائيلية" لتهويد القدس وإفراغها من سكانها "لنلاحظ أن العالم والنظام العربي على وجه الدقة ما يزالان في طور التحذير ودقّ ناقوس الخطر!!"، التحذير من الموت البطيئ لأهالي قطاع غزة... ثم وفي خطوة لاحقة، متكررة ومعروفة على مرّ السنين وبحكم التجربة، تتحول كل هذه الموشحات إلى ما يشبه الصمت على اعتبار أن "السكوت من ذهب"، وبالتالي نضمن دخول الآلاف المؤلفة من الأوراق والوثائق التي تثبت "لندقق على تثبت" أننا لم ندع يوماً ما تفعله "إسرائيل" يمر مرور الكرام، وها هي الوثائق الورقية والمؤتمرات العادية والطارئة تؤكد أننا سجلنا كل أشكال الإدانة والتنديد و.. لكننا ما زلنا ننتظر!!.

هي السياسة نفسها، سياسة الإشغالات هنا والحرتقات هناك.. هذه السياسة التي نشأت وترعرعت في أحضان واشنطن في ظل الجمهوريين والديموقراطيين على حد سواء، وهي على أية حال لم تولّد سوى ممارسة هواية محببة يعشقها وينشغل بها السواد الأعظم من النظام العربي: الانتظار!!.

انتظار هنا، طويل أو قصير، وآخر هناك يشبهه، إن لم يكن نسخة طبق الأصل عمّا سبقه، وربما يكون أحياناً مشفوعاً ببعض التعديلات، من باب التغيير في الشكل لا أكثر ولا أقل.. المهم الانتظار و"بعدها منشوف" ماذا سنفعل؟!.. هي السبحة نفسها تتكرر ـ انتظاراً وتمريراً للخطوات والإجراءات على الأرض وليس على الورق ـ برعاية أمريكية ومساندة أوروبية، والغاية؟!: "أمن إسرائيل"!.

لننتظر إذاً حتى الخريف المقبل، حيث ستطل علينا خطة أوباما التي لا بد كما سابقاتها من الخطط والمشاريع والطرق، ستحمل معها محطات ومحطات لفتح الشهية مجدداً على الانتظار.. وخلال هذا الانتظار، ثمة الكثير مما يمكن أن تُشغل به واشنطن و"إسرائيل" العالم كله عموماً، والعرب خصوصاً، والشرق الأوسط على وجه أكثر تحديداً أو تخصيصاً!!.