الأمين العام للأمم المتحدة بان-كي-مون توجه الى لبنان ليجهز لتدخل محتمل لحلف الناتو ضد سوريا مهتم جدا بالتآمر على السلم الذي يجب أن يدافع عنه، و نسي السؤال عن الأستباحات الأعتيادية على السيادة اللبنانية من قبل أسرائيل،يوجه المفكر اللبناني السيد حسان حمادة رسالة مفتوحة يخاطب بها السيد بان و ممثله السيد رود لارسن و يذكرهما بأنهما لا يطبقان مبادأهما،و انهم شبان الفساد المقنعين.
حضرة الأمين العام
حين كنت أصغي الى خطابك، في بيروت، عن الإصلاح، وحتمية انتصاره، وحتمية بقاء «الشعلة التي أضيئت في تونس»، على حد قولك، تذكرت تلك الشخصية الأسوجية المحترمة، ذات الصدقية في مجال الإصلاح والشفافية، أعني بها السيدة INGA- BRITT AHLENIOUS التي سبق لها أن تولت منصب الأمين العام المساعد للأمم المتحدة لشؤون النزاهة ومكافحة الفساد، وعملت تحت إدارتك.
تذكرت أن هذه السيدة، المشهود لها بالنزاهة، والكفاءة وحرية الضمير، أعدت تقريراً من خمسين صفحة تناولت فيه مخالفات مالية فظيعة ارتكبتها أنت، كما تناولت بالنقد اللاذع سوء إدارتك لمالية منظمة الأمم المتحدة، وتبذيرك، وتبديدك للأموال العامة، وفقدان الحدّ الأدنى من الشفافية في سلوكك المالي، الى حدّ جعلها تقول لك إن «أعمالك لا سابق لها... فهي لا تستحق فقط الشجب... بل في تقديري، ستكون مؤذية لشخصك»...
فلقد ثبت لها، هي المسؤولة الأولى عن حسابات الأمم المتحدة، «ان أداءك خالٍ من الشفافية، خالٍ من قواعد المحاسبة المالية»... كي تخلص الى القول: «يؤسفني القول إن الأمانة العامة للأمم المتحدة، دخلت اليوم مسار تحلل، إنها تنهار بالكامل، بل وأكثر من ذلك... إنها تسقط سقوطاً لا نجاة منه».
ردة فعلك، يا حضرة الأمين العام، تمثلت بالصمت الرهيب، وبتجاهل التقرير تجاهلاً كاملاً، وبإصدار أمرٍ يقضي بسحب التقرير من الموقع الالكتروني الرسمي الخاص بالأمم المتحدة بعد اقل من 48 ساعة على نشره. ومن حسن الحظ ان عدداً قليلاً جداً من الإعلاميين كان قد لاحظ وجوده على الموقع فتحدث عنه. لكن الإعلام الموجه، المملوك بمعظمه من الكتل الصناعية العسكرية ورؤوس الأموال، و«الخفية»، لجأ الى خنق الحدث والتعتيم عليه تعتيماً كاملاً. وحتى الذين اشاروا الى التقرير فإنهم اكتفوا بالإشارة فقط، متجنبين طرح اي سؤال عليك بهذا الخصوص لعدم تحويل الموضوع الى مساءلة لك... مساءلة تفتح ملف الفساد المستشري في المنظمة الدولية، ونظام الحمايات الذي يحمي الفساد على حساب حقوق الشعوب.
كان هذا التقرير، الذي يدينك بموضوع لا لبس فيه، هو آخر التقارير المالية للأمينة العامة المساعدة للأمم المتحدة السيدة أهلينيوس، إذ معه توجت ولايتها التي دامت خمس سنوات وانتهت في صيف العام 2010 .
وللتذكير، فإن السيدة أهلينيوس، وبعد عودتها الى ستوكهولم، حيث سبق لها ان تحملت مسؤوليات عدة في الإدارة الحكومية تميزت كلها بنجاحٍ، بحيث برز اسمها كقدوةٍ في الكفاءة والنزاهة... أصدرت، بالتعاون مع الصحافي الأسوجي NIKLAS EKDAL، كتاباً عنك، يا حضرة الأمين العام، بعنوان: «صاحب الحظ، انهيار الأمم المتحدة في عهد بان كي مون»... لم تترك فيه ستراً إلا وكشفت عنه، معتبرة أنك ابرز رموز الفساد في كوكب الأرض، ناهيك عن كونك إنساناً فاشلاً، على الصعيد المهني.
لا أحسب أنك تجهل، يا حضرة الأمين العام، من يقف خلف التعتيم الإعلامي على كتاب السيدة أهلينيوس، وعلى «ملف بان كي مون» بكامله. إنهم الذين تسخّر نفسك لخدمتهم.
حضرة الأمين العام
متى حاضرت بالإصلاح وأنت سارق؟
لا بأس، إن سمعت هذا الكلام المباشر، ولأول مرّة. فأنت، أخلاقياً قبل اي شيء آخر، لا تملك الأهلية لتعطي دروساً في الإصلاح. وما دمت تطرح هذا الموضوع، فإن سيرتك غير النظيفة تحتم أن يبدأ الإصلاح بمنظمة الأمم المتحدة، وأن تقضي الخطوة الأولى في مسيرة الإصلاح بإحالتك الى التحقيق فالمحاكمة، ولتكن نورمبرغ للفساد وسرقة اموال الشعوب. فالأموال العامة التي تصرفت وتتصرف بها، من دون شفافية، ومن دون احترام قوانين المحاسبة المالية هي أموال عامة تخص شعوب الأرض، إذ أن دول العالم هي التي تغطي ميزانية الأمم المتحدة وتدفع لك ولغيرك الرواتب الضخمة.
لكنك حقاً «صاحب الحظ»، ولو بالمعنى السلبي للكلمة، إذ أن أياً من الدول لم يطالب بتشكيل لجنة تحقيق في المواضيع التي أشارت اليها السيدة أهلينيوس، بدءاً بالدول الممانعة، الدول التي لا تنفك عن إدانة النهج المنحاز الذي يطبع قرارات وتحركات المنظمة الدولية. يصفونك بالتبعية للولايات المتحدة الأميركية ولا يطالبون بلجنة تحقيق في ارتكاباتك المالية الشائنة... يا للعجب... فإذا بالأدوار تنقلب، فتطل أنت على العالم وتتلو عليهم دروساً في الإصلاح!!!
تعيينك للقضاة
قبل ساعاتٍ من وصولك إلى لبنان، بشرتنا بأنك سوف تعيّن خلفاً للقاضي بيلمار، مدعي عام «المحكمة الخاصة بلبنان»... فيا لسخرية القدر! ترى، أي نوع من القضاة أولئك الذين يعيّنهم من كانت صفاته مثل صفاتك؟ وهل يُرجى خير من قاضٍ يرتضي لنفسه ان يعيّنه من كانت صفاته مثل صفاتك؟ من ضبط بجرائم مشينة مثل تلك التي ضبتتك بها السيدة أهيلينوس؟ إن ما ينطبق على من سوف تعينه خلفاً لبيلمار ينطبق على كل «قاضٍ» جرى ويجري تعيينه عبرك... إذ أنت مجرد معبر لارادة آخرين. أهذه هي «أعلى درجات المهنية والشفافية»... التي تحدث عنها الراحل القاضي كاسيزي؟
حضرة الأمين العام
لماذا سكت عن لوائح الاتهام التي ساقتها بحقك السيدة أهلينيوس؟هل لأنك تعتبر التصرف بمال غيرك «جريمة شرف»؟ أم «جرم سياسي»؟ أم ماذا؟ أم لأنك تخشى فتح هذا الملف؟
متى ربيع الأمم المتحدة ؟
فلنتصور الأمر معكوساً، ونأخذ مــثلاً: كأن قررت دول ما، وفرضت تشكيل لجنة تحقيق، وثبتت الاتهامات عليك، وراحت تتساقط معك اسماء اخرى من هيكلية المنظمة الدولية... ألن يكون ذلك، وبحق، اسمه «ربيع الأمم المتحدة»؟ يبدو أن للربيع تعريفات عدة، متناقضة في معظم الأحيان، كيف لا وإننا نعيش اليوم هذا التناقض. لا شك في ان حـدثاً من هــذا النــوع قد يحقن منظمة الأمم المتحـدة، ومعـها العلاقات الدولية، بجرعةٍ من الأخـلاق. لكن هـذا لــيس هو المطلوب عند اصــحاب «القـرار الدولي» الذين يستخدمونك... هنا فقط تطبع الأمانة أداءك.
المزوّر... لارسن
حضرة الأمين العام... إن هذه الأمانة في خدمة من يحمي ارتكاباتك ويحميك، تجلت في بيروت باصطحابك للسيد تيري رود لارسن الذي لم ير بعد أن اسرائيل، وطنه الثاني، تجاوزت عملياتها «الحربية العدوانية» بالمعنى القانوني للكلمة... العشرة آلاف، لكنه لا يعترف ولا لمرةٍ واحدةٍ بذلك، لا هو ولا أنت، وكل منكما يكتفي بالإشارة الى «خروقاتٍ إسرائيلية»!
لماذا «خروقات» فيما هي «عمليات حربية عدوانية» على لبنان؟
قد تكون، يا حضرة الأمين العام، تجهل الفارق بين التعريفين، شأنك في ذلك شأن الدولة اللبنانية، وبعثتها لدى الأمم المتحدة، غير ان لارسن يعرف تماماً لماذا يغيّب عنصر «العمل الحربي العدواني».
انه يغيّبه لأن الفقرة الحكميّة في محاكمة نورمبرغ صنّفت «الحرب العدوانية» على أنها تمثل «الجريمة الدولية الأرفع» Le crime international supreme وبناءً عليه، وحرصاً من الفقه على عدم وقوع حروب عدوانية، أي عدم ارتكاب الجرم الدولي الأرفع، فإنه اعتبر ان المسؤولين عن قرار ارتكاب هذا الجرم يجب ان يحالوا امام قضاءٍ دولي ليحاكَموا كمجرمي حرب. وبما انه لا يجوز تعريض المسؤولين الإسرائيليين لهذا النوع من الملاحقة، فلا بد من إسقاط صفة «الحرب العدوانية» عن الأعمال الحربية العدوانية التي ترتكبها اسرائيل بحق لبنان، وهي جرائم متكررة تجاوزت العشرة آلاف. هذه الكثافة من الارتكابات تشكل حالة فريدة من نوعها في تاريخ المنازعات والحروب .
سأكتفي بهذا القدر، يا حضرة الأمين العام، وأعتذر عن عدم ختم رسالتي إليك بعبارة «تفضلوا بقبول التقدير والاحترام»، الى ان يتم التحقيق بمضمون كتاب السيدة INGA BRITT AHLENIOUS التي لها منيّ كل التقدير والاحترام.