الأمين العام السابق للأمم المتحدة (1997 – 2006 ) الحائز على جائزة نوبل للسلام عام (2001)، كوفي عنان، كلّفه خلفه بان كي مون هو و نظيره أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي بأن يتوصلوا لحل سلمي بشأن الأزمة السورية. لكن هل كوفي عنان هو الشخص الأنسب لهذا الموضوع ؟ اخذين بالعلم مسؤوليته الكبيرة في محرقة أكثر من نصف مليون طفل عراقي، حسان حمادة يشك بذلك.
حضرة السيّد أنان
تحية وبعد،
ثمة رأي يقول ان «الانسان الأبيض رفع حضارة الكذب عالياً حتى وصل بها الى مستوى لا يمكن لأحدٍ الوصول اليه»...
جاء ذلك في رسالةٍ بعث بها المؤرخ الافريقي المرموق، جان شارل آنفران، من جزيرة «لا ريونيون»، الى جان زيغلر رئيس الهيئة الدولية للحق في الغذاء التابعة للأمم المتحدة، ضمّنها انتقادات حادة لسلوك حكومات الشمال الفتي واستخدامها لسلاح الجوع لتدمير الشعوب والأمم ونهب خيراتها دائماً... دائماً باسم شعاراتٍ براقةٍ كاذبةٍ أولها شعار حقوق النسان، في الوقت الذي ترفض فيه، بشراسةٍ، إدراج الحق بالغذاء والدواء ضمن هذه الحقوق ... ما يفسر مدى احتقارها حقوق الانسان، في الواقع العملي، ألم يقل ونستون تشرشل ان المشاريع الكبرى «تحتاج لحمايتها الى حرسٍ من الأكاذيب»...
فمع تقديري لوقار إطلالتك وهدوء لهجتك وبرودة الظاهر من أعصابك غير أنه من البديهي، حين اسمع باسمك أو أرى رسمك، أن تثور في وجداني مأساة أشقائنا العراقيين، وأوّلهم الـخمسمئة والخمسين ألف طفل عراقي الذين قتلوا بسلاح الجوع والحرمان من الدواء. بدمٍ باردٍ قتلوا. بقرارٍ من «لجنة العقوبات» التابعة لمجلس الأمن والتي تعمل، كغيرها من الهيئات، باشرافٍ مباشر من الأمين العام للأمم المتحدة، وباشرافٍ منك شخصياً، وذلك فقط خلال السنوات الأربع الأولى من عهدك، أي من مطلع العام 1997 الى آخر العام 2000، إذ بعد ذلك التاريخ توقف على ما يبدو تعداد الأطفال الضحايا، ثم توقف العمل ببرنامج «النفط مقابل الغذاء» بحكم الاجتياح الاميركي للعراق في آذار من العام 2003.
لقد كتب جان زيغلر تحت عنوان «قتل أطفال العراق»:
«منذ 1996 بدأ التغيير التدريجي في مهمة برنامج النفط مقابل الغذاء وتحول الى أداة عقاب جماعي للشعب العراقي من خلال حرمان الناس من الغذاء والدواء والطبابة». وذلك خلافاً لقرار مجلس الأمن وللمهمة التي من أجلها أطلق هذا المجلس برنامج النفط مقابل الغذاء. وحضرتك، يا سيّد أنان، لم تفعل ما كان منتظرا منك لحسن تطبيق البرنامج، خصوصاً أن الذين جعلوا منه وسيلة إضافية لإذلال العراقيين ومضاعفة مآسيهم هم موظفون تابعون لك شخصياً. كانت الصفقات، وعمليات النهب المنظم، تجري عبر «مكتب البرنامج» (جهاز وسطي، بين «لجنة العقوبات» ومركزها نيويورك و«هيئة البرنامج» التي مقرها بغداد وتضم 800 موظف أممي و1200
موظف محلي) ومقره أيضاً داخل مبنى الأمم المتحدة ومهمته تقضي بتلقي طلبات الشركات، وقبولها أو رفضها. هنا بالذات كانت تتم السمسرات وتوزّع العمولات.
والمحروس ابنك تورط على ما يبدو
اللصّ... أمين عام مساعد.
مدير هذا المكتب الذي كانت تفوح منه رائحة الفساد عيّنته أنت ، تنفيذاَ لمشيئة الادارة الاميركية، على الرغم من عدم أهليته لتولي مهمة بهذه الدقة والخطورة. إته يحمل الجنسية القبرصية، وكان يرأس جهاز أمن الأمم المتحدة وهو ذو سمعة غير حميدة، حتى أنه تعرض للملاحقة القضائية في نيويورك بتهمة ارتكاب أعمال شائنة ومع ذلك فانك أصدرت قراراً بترفيعه الى رتبة أمين عام مساعد. كنت أنت تحميه... أنت تغطيه. وفي المقابل كنت تمتنع عن حماية البرنامج بسكوتك عن المخالفات فتترك للعصابات المجال لتسرح وتمرح على حساب أهل العراق. والأمثلة كثيرة:
على سبيل المثال، وليس الحصر، كانت لجنة العقوبات ترفض التجاوب مع اكثر الطلبات الانسانية إلحاحاً، كأجهزة غسل الكلى، مما تسبب بقتل الآف العراقيين الذين كانوا يحتاجون لهذا العلاج المستدام.
ثمة حالة مشهورة في هذا المجال: ففي العام 2000 تقدم الدكتور غلام رباني بابال، ممثل منظمة الصحة العالمية في بغداد، بطلب الى «برنامج النفط مقابل الغذاء» للموفقة على شراء 31 جهاز لغسل الكلى فرفض الطلب. وبعد مرور شهور من الالحاح وحتى الاستجداء، نظراً للكوارث التي كانت تحلّ بالمرضى المدنيين العراقيين، وافقت «لجنة الرقابة» على السماح بأحد عشر جهازاً فقط... لماذا فقط؟ وما علاقة ذلك بتسليح الجيش العراقي؟ وبعد موافقة اللجنة صدر قرار مجهولٌ صاحبه، قضى بحجز هذه الاجهزة عند نقطة الحدود الاردنية ـ العراقية . ودام احتجازها لمدة سنتين! نعم، لسنتين!!
سكوتك عن التعذيب:
في العام 1999، في منتصف عهدك الميمون، وبينما كان أطباء العراق يتوسلون الحصول على أبسط الادوية، تقدمت مديرة منظمة «يونيسف»، كارول بيلامي، بطلب للسماح لمنظمتها بادخال أبر لتغذية الاطفال الرضّع بطريقة الحقن في العروق... فرفضت لجنة العقوبات. ومنذ ذلك التاريخ صار يتباطأ تعداد الاطفال القتلى تدريجاً الى أن توقف، عملياً في العام 2000. واستمرت المذبحة. وبقيت أنت محافظاً على ما يبدو للبعض انه «هدوءٌ» و «وقارٌ»!
إن ما فعلته «لجنة العقوبات» بحق المدنيين العراقيين أشبه ما يكون بجلسات التعذيب. وأنت شاهد على هذه الجلسات ولم يتحرك لك ضميرٌ أو يثور وجدان.
«لجنة العقوبات» منعت ادخال آلياتٍ لاصلاح وإعادة تشغيل محطات تكرير المياه (للشفة) من دجلة والفرات وشط العرب، فصار العراق في مقدمة الدول التي تعاني من الامراض الناجمة عن تلوث مياه الشرب... حتى مكيفات الهواء، للمستشفيات، وهي ضرورية، منعت اللجنة ادخالها الى العراق، بينما الحرارة في الصيف تصل غالباً الى 45 درجة مئوية.
«إن ما يحدث في العراق هو إبادة جماعية» ... GENOCIDE ... صاح البروفسور مارك بوسويت، استاذ القانون الدولي ورئيس لجنة الأمم المتحدة لحقوق الانسان (أصبحت اليوم مجلس حقوق الانسان) لكنك لم تسمع صرخته يا سيّد أنان.
ولم تصغ الى احتجاجات دنيس هاليداي، منسق «برنامج النفط مقابل الغذاء» في بغداد الذي كان يحتج على مماطلة ورفض اللجنة تلبية الطلبات الضرورية، فرمى اليك باستقالته ومشى.
ولم تصغ الى نداءات هانس كريستوف فون سبونك، الذي خلف هاليداي في رئاسة اللجنة، حين طالب رسمياً، بصفته أميناً عاماً مساعداً للأمم المتحدة، بالمثول أمام مجلس الأمن وكشف الاوراق كلّها.
فبدلاً من أن تتضامن معه، وتحميه وتغطيه ، ليتمكن من الدفاع عن قرارٍ اتخذه مجلس الأمن وينتهكه موظفون تابعون لمجلس الأمن، وقفـت أنت الى جانب الوفدين الاميركي والـبريطاني اللذين انـهالا بالشـتائم على فون سبونك لارتكابه جريمـة الجـرائم ألا وهي: احترام ميثاق الأمم المتحدة.
عقدة آل فالينبرغ
لقد منع الاطلسيون فون سبونك من تلاوة تقريره امام مجلس الامن مثلما منعوا عرض تقرير الفريق الدابي أمام جامعة الدول العربية . الحالتان تتشابهان في العديد من الأمور.
سيّد أنان،
أنت بلا شك متأثر بمسيرة أنسبائك الاسوجيين، أقصد بذلك أسرة فالينبرغ المصرفية، الصناعية، النافذة في عالم المال والاعمال، والتي أعطت شخصيات لعبت أدواراً على الصعيد الاوروبي العام، وليس داخل اسوج فقط، ومنها خال السيدة قرينتك، راوول فالينبرغ، وعمّه جاكوب فالينبرغ. والارجح أن شخصية راوول هي الاكثر تأثيراً بك إذ كانت بحقيقة الأمر غير عاديّة، تميزت بالجرأة، خصوصاً في تلك الحقبة الحرجة عند نهاية الحرب العالمية الثانية، حين تمكن راوول بجرأته واندفاعه من إنقاذ المئات من اليهود، قبل أن يخفيه السوفيات في اليوم الاول لدخولهم، كمحررين، الى بودابست... ويتهمونه بالتجسس لصالح الاميركيين.
ولا شك في أنك تشعر بالفخر حين تزور بعض العواصم الاوروبية وتجد فيها نصباً تذكارية اقامتها الطوائف اليهودية لراوول، وكذلك في واشنطن، وخصوصاً في القدس، حيث له لوحة تذكارية داخل صرح «المحرقة»، وهو بالمناسبة يحمل مرتبة «مواطن شرف في دولة اسرائيل».
سيّد أنان،
لا ريب في ان لصلة النسب هذه دوراً في صعودك المهني. لكن، أما كان من الأجدر بك أن تقتدي بجرأة راوول في الدفاع عن شعبه اليهودي، فتقف ضد كل أشكال المحارق بدلاً من ان تشارك في محرقة الشعب العراقي؟
نعم يا سيّد أنان لقد حدثت محرقة في العراق، و«إبادة جماعية» GENOCIDE على حدّ تعبير البروفسور بوسويت، وانت شريك أول في جريمة عدم إغاثة 550,000 طفل من خطر الموت...
كن على ثقة يا سيد أنان بأننا لسنا نسخة طبق الأصل عن الحكومات الصهيونية العربية . فإذا كان من حقك أن تعجب بأنسبائك الصهاينة الاسوجيين فهذه ليست حالنا كلنا بالنسبة الى الصهاينة العرب .
سيّد أنان، لا تظن للحظة ان محرقة بلاد الرافدين ستمر من دون محاكمة. وأنت معني بها، كشريك أساسي في الجريمة. فأي خير يرجى منك لاجتراح حلول تنقذ سورية؟ وهل عندك لسورية وصفة غير وصفة المحرقة؟
سيّد أنان أنت عندنا اليوم لتروّج لمشاريع الذين أرسلوك إلينا في الأمس.
سيّد أنان، أنت في افريقيا لتروّج لآل روكفلر. أليست مجموعة روكفلر هي التي تموّل «الاتحاد من أجل ثورة خضراء في افريقيا» ـ «أغرا» ـ التي تترأسها أنت؟
قليل من الحياء يا سيّد أنان. فنحن لم نفقد ذاكرتنا بعد. تذكر يا سيّد أنان قول البير كامو، ولا شكى في أنك تقدره:
«إن ضغوط العالم كلها تظل عاجزةً عن جعل صاحب فكر نظيف ينقلب ليصبح قليل الشرف».
والسلام.