لشارون إنجازين متواكبين رغم الفارق الزمني .. فهو الذي حقق أوسع اغتيال سياسي (أو ما يسمى مجزرة) في صبرا وشاتيلا دون قدوم ميلس أو "عزلة" سياسية.. ويحقق اليوم أكبر اغتيال للذاكرة داخل أروقة الأمم المتحدة دون وجل من ان تكون "نهاية التاريخ" على يد المحافظين الجدد بدلا من نبوءات لفوكو ياما.

ربع قرن تقريبا ولكن الزمن لم يتبدل في داخلنا، ربما لأن "حرب الظلال" في العراق أنستنا نكهة المجازر الإسرائيلية، أو لأن التيار السياسي الديمقراطي في العالم العربي يرسم مستقبله الجديد على الحرائق مهما كانت .. أنظمة أو أجساد .. ضحايا اعتقال سياسي أو جثث متناثرة بعد انفجار أحمق .. لا فرق هنا طالما أن شارون قادر على رسم الذاكرة من جديد، بينما يتغنى الجميع بالوصول إلى "الهاوية".

ما ذنب شارون ... إنه السؤال المعلق على زوايا الخطاب السياسي منذ احتلال فلسطين حتى اليوم .. طبعا لا ذنب لشارون لأن المسألة مرتبطة بانتهاكات خاصة بنا نمارسها ضد أنفسنا قبل أن يتسلى الآخر برؤيتنا نتهاوى نتيجة مجزرة أو "غزوة" بسيارة مفخخة أو حتى بالسقوط ضحايا الصراعات السياسية داخل العواصم العربية.

ما ذنب شارون إذا كانت العزلة التي تريدها الولايات المتحدة هي أمر نفرضه على أنفسنا بالغرق في نرجسية تتراوح ما بين المعارضة والسلطة ... والموالاة والرفض ثم التغني بإثارة الفوضى لإرضاء رغبة القبيلة فينا.

ذاكرة الموت اليوم ليست الصور المتبقية لصبرا وشاتيلا ... إنها قدرتنا على القفز فوق الحرائق دون التفكير بمن أشعلها أو تجنب النار القادمة ... وذاكرة الموت هي المماحكة السياسية على خرائب الوطن أو اكتساب الرضى من الولاة والمشايخ أو ... سفراء الدول مهما كانت ...

في صبرا وشاتيلا كانت الاستباحة فاقعة ... أما اليوم فإن الاستباحة لا ترافقها عصبية لأي شيء ..

وفي صبرا وشاتيلا كانت الصور محدودة ... بينما مستشفيات العراق اليوم تظهر على الفضائيات في كل لحظة .. لكن الفارق الزمني هي طاقة هذه المجتمعات على تقبل الموت مهما كان مصدره .. ثم نسعى لفهم الديمقراطية ... ما المانع ... لا شيء لأن الديمقراطية هي التي ستمنع ذبح أنفسنا بأيدينا ولكن بشرط واحد أن تكون لونا لا يتجزأ مهما كانت نتائجه .. لا أن تصبح تفسيرا جديدا لتاريخ القبائل العربية ....