يبدو الخبر عاديا اليوم عندما يجتمع النشطاء لإصدار بيان، والخارج عن المألوف هو استمرار صياغة المعارضة السورية على نفس الإطار أو المضمون الذي ظهرت به قبل أربعة عقود.
يبدو الخبر عاديا اليوم عندما يجتمع النشطاء لإصدار بيان، والخارج عن المألوف هو استمرار صياغة المعارضة السورية على نفس الإطار أو المضمون الذي ظهرت به قبل أربعة عقود. والجديد فيما قدمته "المعارضة" السورية أمس هو إشراك الأكراد كفصيل أساسي وليس حليفا كما حدث سابقا، أما القديم فهو التجاوز الزمني الذي يجعل النشطاء السياسيين السوريين يسترجعون مرحلة محدودة أو يغيبون نتائج مساحة من الصراع السياسي.
وإذا كانت الظاهرة الصحية تبدو في "الإحساس" بالمسؤولية والخطر، فإن عمليات التجاوز التاريخي مستمرة عند التيارات السورية على اختلاف اتجاهاتها، حتى تلك الموجودة ضمن الجبهة الوطنية التقدمية. فالمسألة اليوم ليست في إثبات التوجه الوطني والديمقراطي بل في دخول إلى عمق هذه التفاصيل، لأن العمل السياسي لا يوجد على مساحة عادية بل هو في عمق الأزمة التي تعيشها سورية.
وإعلان دمشق الذي ظهر بالأمس معيدا المطالبة بدولة ديمقراطية وبحياة سياسية، أعاد من جديد الهروب من طبيعة الفهم لهذه الديمقراطية التي يجب أن تطبق وفق البرنامج الذي يراه أصحاب هذا الإعلان. فالحديث اليوم عن الديمقراطية لم يعد مطابقا لما كان قبل أربع سنوات، أو قبل أربعة عقود، أو حتى مع ظهور الدولة السورية بعد الاستقلال. فالحديث عن الديمقراطية يجب أن يظهر اليوم وبقوة من خلال أزمتها التي تشكلت بعد هجمات "المد الديمقراطي" على الأخص في العراق. ومع ظهور دستور عراقي يشرعن التكوين العددي على حساب أحزاب البرامج أو ديمقراطية الحداثة كما عرفتها سورية على الأقل في المراحل المبكرة للاستقلال.
ما ينقص إعلان دمشق إشارات قوية إلى أن مطالبه اليوم أصبحت أزمة حقيقية تحتاج إلى وضع تصور لآليات، ومناقشتها على بعد من مفاهيم فرضت نفسها بقوة منذ أحداث 11 أيلول. وبالطبع فهذا يتطلب تعبئة أكبر من الحديث عن تجمعات سياسية لا يعرف أحد على وجه الدقة طاقتها السياسية وقدراتها داخل المجتمع، وذلك مع الاعتراف بأنها تيارات موجودة تاريخيا وله نظرتها وتوجهاتها، والسؤال كيف يمكن لهذه التيارات طرح هذه النظرة مع طبيعة الأزمة الحالية؟
إعلان دمشق بالأمس يدفعنا للاعتقاد للحاجة الماسة لدفع المجتمع نحو الإحساس بالأزمة أو الخطر، وذلك بغض النظر عن الطبيعة السياسية أو دور السلطة أو الدولة، فمسألة الوطن تحتاج لتكامل واضح لإيجاد رؤية تعالج الأزمات دون الاكتفاء للإشارة إليها ... المسألة ليست في الخطر الخارجي اليوم ... بل في تثبيت رؤيتنا اجتماعا وسياسيا لمفاهيم نريدها لكنها تحتاج إلى نظرتنا التي ستخرجنا حتما من أي أزمة.