الشرق القطرية/ صالح الأشقر
الى متى سيظل العالم العربي يعاني من الازمات رغم امكانياته البشرية والمادية والحضارية التي تؤهله ليعيش وضعه الطبيعي والمناسب بين الأمم؟ لماذا يستمر التوتر في هذه المنطقة؟ وهل صحيح ان هذا التوتر وعدم الاستقرار تقف خلفه الدول الاستعمارية التي تضع كل امكانياتها ومخططاتها للهيمنة من جديد على هذه المنطقة الحيوية من العالم؟ تطرق الكثير من الكتاب في موضوعات سابقة ومنذ سنوات إلى أن دول المنطقة العربية ستواجه ازمات خطيرة اذا ما استمرت الاوضاع القائمة دون تغيير لان هذه الاوضاع السياسية تقوم على أسس غير سليمة وصحيحية.
الوضع السياسي السليم الذي اثبت جدارته عالميا يقوم على المؤسسات المدنية المستندة الى قوانين وقضاء مستقل لا تتأثر بذهاب نظام وقدوم آخر الى السلطة، بينما للانظمة العربية نظامها الفريد الذي يتهشم وتتهشم معه أية انجازات ان وجدت وعندما يأتي النظام الجديد يدمر ما تبقى للنظام السابق.
وهكذا يدور النظام العربي في حلقة مفرغة مخلفا بمجمله اوضاعاً مأساوية، واول هذه المأسي تصيب المواطن وماتزال في حياته الاقتصادية والاجتماعية، وحتى كرامته تتعرض للإهانة نظرا للسلوك غير الطبيعي لهذه الانظمة.
مواصلة الانظمة العربية منذ زمن طويل الاستيلاء على كل شيء والتحكم بكل شيء حتى التنفس لاستمرار الحياة يجب ان يخضع لسيطرة النظام! وغالبا ما ينتهي كل هذا الجبروت الى كارثة تصيب النظام في مقتله وعندها فقط يجد المواطن نفسه يندب حظه العاثر عندما تختفي الشعارات والامنيات التي رددها طويلا.
والواقع المر انه كلما ازداد المواطن حماسا في ترديد الشعارات ازداد النظام خلال سنوات حكمه استمتاعا بجبروته الاستبدادي من خلال قمع واضطهاد المواطن لاتفه الاسباب غير مكترث بهشاشة بنيانه وتهشمه لابسط الاسباب وبما تخبئه له الايام.
وها هو النظام في سوريا يترنح بعد النقد الذي وجه له من عبدالحليم خدام احد ابرز اركانه مما دفع المراقبين الى الاجماع بأن النظام في دمشق سوف يتجرع من نفس الكأس الذي تجرعه صدام ورفاقه وقبل نظام صدام تجرعت انظمة عربية من نفس الكأس المر.
هيكل النظام السوري انفجر الاسبوع الماضي متأثرا بمقابلة تليفزيونية وتطاير الى شظايا متناثرة واصبح الهم الأكبر لكل عضو في هذا النظام تهريب عائلته وممتلكاته الكثيرة من الدولارات الى أي جهة في العالم ولو الى الجولان المحتلة المنسية.
منذ سنوات برزت اكثر من ازمة سياسية خطيرة في النظام العربي الواحد ومع ذلك تركت هذه الازمة دون حل لتكبر وتستفحل وتولد ازمات سياسية واجتماعية واخلاقية واكثر هذه الازمات حدة وخطورة في المستقبل القريب الازمة الاقتصادية المتفاقمة والمخيفة.
بعض الانظمة العربية التي هي اقرب الى العصابة منها الى الحزب الواحد قفز كل منها على السلطة بطريقته الخاصة واعلن ان دافعه كان ومايزال إنقاذ الوطن من الاستعمار والصهيونية والقضاء على خونة الوطن.
واعتمدت هذه العصابات على الشيوعية في الاتحاد السوفييتي السابق لدعمها عسكريا وسياسيا لاغتصاب السلطة واكتفت بالشعارات والقبضة الحديدية على كل مقدرات الشعوب وامتنعت عن التنمية الاقتصادية اسوة بالاقتصاد الموجه الفاشل لدى الشيوعية ومنعت الشعوب انطلاقا من محاربة البرجوازية من ان تقوم بهذه التنمية حتى الافلاس الكامل.
وحتى تتمكن عصابات النظام من الاستمرار اطلقت الشعارات البراقة مثل الحرية والديمقراطية والاشتراكية والمساواة ومحاربة الامبرالية والصهيونية من خلال اعلام قوى الصراخ حتى صدق المواطن المغلوب على أمره ذلك الاعلام المدوي في كل مقهى وبيت وشارع ومطبوعة.
وعندما تمكنت تلك العصابات في الكثير من الدول العربية من وضع خنجر الغدر على عنق كل مواطن لم تكتف بذلك بل زادت عليه ان جندت بعضه على بعضه لكشف اي تململ وطني من جبروت النظام الديكتاتوري الرهيب الذي اخذ يطارد البعض الى غرف نومهم وفي ظل وضع معيشي مهين.
ذلك الوضع الدكتاتوري الرهيب والوضع المعيشي المهين كان ينطبق على دول الاتحاد السوفييتي السابق غير ان تلك الدول تخلصت من ماضيها المخزي مع انهيار الاتحاد السوفييتي منذ اوائل التسعينيات من القرن الماضي وكانت فرصة كبيرة لمن قلدوا الاتحاد السوفييتي المقبور التخلص من الديكتاتوريات.
لقد تحركت دول شرق أوروبا بسرعة الى التغيير والحياة الطبيعية الجديدة التي تعتمد على اختيار الشعوب في اطار الدستور وقوانينه المنظمة للحرية وحدودها في الممارسة السياسية والاجتماعية والتنمية الاقتصادية مستبدلة الشعارات والغوغائية بالنظام والقانون والانضمام الى الاتحاد الاوروبي.
صحيح ان انظمة عربية من هذه العينة خففت استخدام لقب الرفيق ويكاد يختفي هذا اللقب لكن النظام لم يتزحزح عن مواقعه القديمة أو يحسن الحياة المدنية حتى يستطيع التحرك اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا على الاقل لإنقاذ نفسه قبل انقاذ الشعوب من ازمات اقتصادية قاتلة.
هذه الانظمة استمرت في المكابرة واستمرت في القهر والقمع والتصفيات الجسدية للمعارضة المؤثرة رغم ان وجودها خلال هذا الزمن الطويل غير شرعي ورغم ذلك يحاول بعضها ان يضفي على حكمه شرعية الحكم الوراثي المتبع في الانظمة الملكية.
تعرضنا لهذا الماضي العربي المؤلم في الوقت الذي اخذت هذه الانظمة الشمولية الفاشلة تنهار وتتآكل في حين تعاني الشعوب المآسي الحياتية وفي الوقت الذي اصبحت فيه الارض المحتلة منسية والاقتصاد مدمراً والنفوس محبطة.
وفي ظل كل هذه التطورات السلبية انتج جيل جديد يشكل بحد ذاته معضلة لن يكون من السهل وضعه على عربة مسيرة التطور والبناء الحديثة.
ونقصد بهذا الجيل «المعضلة» تلك الشريحة التي رضعت من ثقافة الرفاق تلك الثقافة التي تروض الفرد وتحول طاقاته وقدراته الى مجرم كبير في عمليات الاغتيال ومخبر رخيص على اقاربه وابناء وطنه لأتفه الاسباب وكل ذلك في سبيل الحفاظ على القائد ورفاقه.
والخلاصة ان استمرار هذه السياسة ان جاز تسميتها بالسياسة لن تؤدي إلا الى خلق ازمة تولد ازمات لتصل بالنظام والامة في النهاية الى تدمير المدمر والمزيد من المعاناة واشعال فتن الاقتتال الى اجل غير مسمى بين ابناء الوطن الواحد.