يحدث هذا في فرنسا، حيث الأحداث والوقائع المتنوعة تأخد أبعادا وتفاسير وتلاعبات سياسية مختلفة. والحدث المرة هذه يتعلق بالشاب إيلان حليمي، الذي اختطفته إحدى العصابات المنظمة قبل أن تحجزه لثلاثة أسابيع تعرض خلالها للتعديب، ليرمى به عاريا وموصدا على مقربة طريق محصبة. الشاب قضى نحبه في المستشفى. ولقد وجهت أصابع الإتهام في القضية هذه إلى من يفترض أنه رئيس العصابة الإجرامية. والأمر يتعلق هنا بيوسف فوفانا، وهو مسلم من ساحل العاج. يوسف الذي لاذ بالفرار إلى وطنه الأم قبل أن يتم القبض عليه ها هناك.
ولقد وصف قاضي التحقيق الجريمة ذاتها بالمعادية للسامية، وذلك بالقياس إلى حمولة المصطلحات التي تبناها الخاطفون حين المطالبة بالفدية. وفي السياق ذاته، لم يدع وزير الداخلية، نيكولا ساركوزي، الفرصة تمر دون سكب الزيت على النار. إذ حاول البرهنة، خلال مداخلته في الجمعية الوطنية الفرنسية، على أن القتلة معاديين للسامية، بدليل مصادرة بعض نشرات الأعمال الإجتماعية لحركة حماس لدى أحد المتهمين. ولقد أعلن أحد المتحدثين باسم الحزب الإشتراكي الفرنسي، جوليان دراي، بأن القضية هذه توضح بجلاء تعميم معاداة السامية في فرنسا منذ أن جعل مرشح أسود للإنتخابات الرئاسية، ديودوني مبالا مبالا، من إسرائيل موضوعا للسخرية له.
ولم تتوانى كل المنظمات السياسية، يمينية أو يسارية كانت، في إيفاد شخصياتها المرموقة للمشاركة في المظاهرة إحياءا لذكرى الشاب حليمي. وكانت تتوقع، أي المنظمات، مشاركة كثيفة للمتظاهرين، على غرار ما وقع إبان انتهاك حرمة مقابر يهودية في (كاربونتراس) ، غير أن المبتغى لم يتحقق.
يذكر أنه خلال الفترة تلك، كان التشهير بمعاداة السامية يرادف الإتهام المباشر لحزب اليمين المتطرف (الجبهة الوطنية) الذي كان في بداية حياته السياسية. غير أنه، في الوقت الحاضر، أصبح التشهير هذا يقترن بتوجيه أصابع الإتهام للمسلمين والسود. ولعله ما يبرر مشاركة شخصيات من اليمين المتطرف في المظاهرة الأخيرة.
أبعد من هذه الوسائلية، فإن القضية أعقد مما يبدو من أول وهلة. إذ أن العصابة قيد الإتهام حاولت على مدى السنوات الماضية ابتزاز أشخاص، بعضهم يهود طبعا، مقابل مبالغ مالية إختلفت قيمها. كما أن العصابة جندت شبكة من شباب الجوار في مدينة واحدة ووحيدة، سوى الكوادر الذين لم يتم التعرف عليهم بعد.
وبتحريض من هؤلاء الكوادر المجهولة هويتهم، كان السوقيون المتهمون في القضية يوقعون رسائلهم باسم حركة أرماتا كورسا. منتحلين بذلك إسم جماعة من القتلة المكلفين بحماية القادة الوطنيين في كورسيكا. أي أن قتلة إيلان كانوا يجازفون بمصيرهم، دون فائدة تذكر، عبر جلب انتباه أكبر لأنشطتهم. لاسيما أن أرماتا كورسا تنحدر من جماعة قومية نافذة لها علاقات علانية بوزير داخلية سابق.
وهكذا تبقى ذكرى إيلان حليمي لعبة سياسية لم ولن تنتهي صلاحيتها حثما في المستقبل القريب.
ترجمه خصيصا لشبكة فولتير: حكيم إدلسان
جميع الحقوق محفوظة
2006 ©