عندما التقى أعداء الأمس وتحولوا إلى أحباء اليوم تحت ما سمي بـ(جبهة الخلاص الوطني) أصيب بعض الناس بالدهشة أو الاستغراب، إذ إنه لم يكن يخطر على ذهن أحد في السابق أن يلتقي تياران متناقضان استمرا بالصراع لأكثر من ثلاثين عاماً،..
عندما التقى أعداء الأمس وتحولوا إلى أحباء اليوم تحت ما سمي بـ(جبهة الخلاص الوطني) أصيب بعض الناس بالدهشة أو الاستغراب، إذ إنه لم يكن يخطر على ذهن أحد في السابق أن يلتقي تياران متناقضان استمرا بالصراع لأكثر من ثلاثين عاماً، وهما على طرفي نقيض، ولم يتقاربا في يوم من الأيام، ولم يحاول طرف أن يفاوض طرفاً أو يتقارب معه بل بلغ الصراع أشده في الثمانينيات، عندما انقلب إلى صراع دموي، وكاد أن يصل بالبلد إلى الفوضى لولا وعي السوريين وقدرتهم على فهم طبيعة وأساس صراعات كهذه.
إلا أن الصورة توضحت في الآونة الأخيرة، وتبين للسوريين أن الصراع بين (البعث والإخوان) الذي وصل إلى ما وصل إليه كان من جهة الإخوان (البيانوني) صراعاً على السلطة بعيداً عن المصلحة الوطنية الحقيقية، كما تبين أن بعض الأطراف البعثيين (كعبد الحليم خدام) كان يجير صراعه الشخصي للصراع السياسي، وكان مدافعاً عن السلطة التي حاول الإخوان بشتى الوسائل إبعاد البعث عنها، ليس بسبب انتمائه للبعث والوطن أو الإيمان بهما بل دفاعاً عن موقعه في السلطة كونه كان أحد رجالها المهمين في ذلك الوقت..
وهذا إن عنى شيئاً فإنه يعني أن لا خلاف عقائدياً بين الاثنين ولا يحزنون، وأن لا عقائد أصلاً يختلف عليها، والمشكلة الأساسية بين الرجلين هي مشكلة اقتناص الفرصة للوصول إلى السلطة بالنسبة لـ(لبيانوني) والدفاع عن السلطة طالما هو موجود فيها بالنسبة لـ(خدام) وبمجرد ذهاب الأخير من موقعه تحول بقدرة قادر إلى واحد من الأولياء الصالحين حين اكتشف فجأة معاناة السوريين على الصعد (الاقتصادية والسياسية والاجتماعية) وكأنه لم يكن يوماً مسؤولاً عن هذه المعاناة والفساد والإفساد في البلد، بشكل مباشر أو من خلال بعض أذنابه الذين زج بهم في المؤسسات العامة والمواقع الهامة لنهب وسلب ما تبقى من خيراتها..
انبرى خدام (أحد دهاقنة جبهة الخلاص الوطني) يتناول سوريا بالنقد والاتهامات شرقاً وغرباً، وتصاعد صوته منذ صدور تقرير ميليس، بل ذهب إلى تبني ذلك التقرير، في حين أن أغلب دول العالم أكدت بأنه تقرير مسيس.. وهكذا وبكل صفاقة أعلن خدام عداءه لسوريا وارتباطه بأعداء الأمس، الذين لا توحد بينهم إلا شهوة السلطة.
لم يترك خدام رجلاً معادياً لسوريا إلا وحاول استقطابه، ولم يدع رجلاً مسيئاً إلا وحاول التحالف معه مبرراً ذلك بحبه وانتمائه وولائه للوطن وللمواطنين السوريين الذين يرى فيهم (على ما يبدو) شعباً فاقداً الذاكرة!
إن آخر ما جادت به قريحة (خدام وبيانونه) وهو التحالف مع ضيف الولايات المتحدة (وليد جنبلاط) الذي طالب الولايات المتحدة بدعم (خدام وجبهة الخلاص) مادياً ومعنوياً، وأعلن صراحة أن أمن إسرائيل من أهم أولوياته، وبناء عليه فإن حزب الله يشكل خطراً على أمنها وأمن لبنان.
وفي الحقيقة لم يقل خدام بعد لقاء موفده إلى الولايات المتحدة والاجتماع بالـ(جنبلاط) كيف يفسر تحالفه مع أصدقاء أعدائه الإسرائيليين، ولم يصرح لنا عن طريقة حبه الجديدة للسوريين المرتبطة بحلفاء الولايات المتحدة وإسرائيل، وكيف يستطيع جمع الأضداد في حبه هذا (السوريين، جنبلاط، إسرائيل).
عندما خرج الـ(خدام) إلى العلن قال: إن الشعب السوري يعرفني جيداً..
ولعل مقولته هذه كانت المقولة الصادقة الوحيدة التي نطق بها..
والمعرّف لا يعرّف.