هذا هو العدد الرابع الذي نتابع فيه مجريات الإعداد للانتخابات التشريعية القادمة في نيسان المقبل، وقد قامت (أبيض وأسود) بإجراء استطلاعات للرأي مع عدد من الشبان والشابات على مختلف ثقافاتهم وانتماءاتهم، وكان من أهم ما وجه إليهم من أسئلة: ماذا يعني لهم مجلس الشعب؟ وهل مجلس الشعب يلبي طموحاتهم؟ وهل يرون في ما تم إنجازه خلال الأدوار التشريعية السابقة ما يلبي الطموح المطلوب؟ واتجهنا أيضاً إلى مجموعة من المثقفين من كتاب وفنانين ودراميين وصحفيين ووجهنا إليهم أسئلة مشابهة، وكان تجاوب الجميع مقبولاً إلى حد ما، إلا أن الأجوبة التي حصلنا عليها كانت تنقسم إلى آراء عديدة أهمها:
البعض منهم يرى في الانتخابات حالة إيجابية يجب تكريسها وتطويرها، وبالتالي تطوير العملية الديمقراطية السورية، وآخرون وجدوا أن تجربة الانتخابات، وإن كانت ناجحة في بعض جوانبها، لكنها لم تحقق على أرض الواقع أدنى درجات الطموح، وأرجع البعض ذلك إلى الأعضاء المنتخبين ذاتهم، واتهم بعضهم الأعضاء بعدم الاكتراث بالناخبين بعد انتهاء عملية الانتخاب، واعتبر أنهم يدخلون المعركة الانتخابية لأغراض شخصية لا تمت للناخب بأية صلة، والبعض الآخر رأى أن العملية برمتها بحاجة إلى إصلاح بدءاً من قانون الانتخابات ومروراً بشخص المرشح وانتهاء بنتائج كل دورة انتخابية، وأرجع البعض أيضاً عدم وصول الدورات السابقة إلى الطموح المطلوب لطبيعة النظام الداخلي للمجلس ذاته، وعدم وجود أدوات بسيطة يمتلكها عضو المجلس تصل في شحها إلى عدم وجود مكتب خاص بكل عضو على الأقل يستقبل فيه زائريه، هذا إضافة إلى انعدام خدمات الاتصال كالفاكس أو الإنترنت والسكرتارية والتصنيف والأعمال الإدارية التي أقل ما يمكن يجب أن تكون متوفرة لممثل الشعب كي يستطيع أن يقوم بخدمة ناخبه والتدخل لحل مشكلاته.
أما على صعيد التشريع والقوانين فكانت الأحاديث والآراء أطول من أن تتحملها افتتاحية عدد من المجلة، ويمكن العودة إلى الأعداد السابقة لمعرفة الآراء فيها..
ولدى لقائنا مع عدد من أعضاء مجلس الشعب السابق ممن يمثلون أغلب الأحزاب السياسية في المجلس، كان هناك شبه إجماع على عدم رضا هؤلاء الأعضاء عن أداء المجلس كمجموعة، وعن أدائهم الشخصي أيضاً إذ صرح غالبيتهم بأنهم غير راضين عن أدائهم، وأرجع بعضهم الأسباب للأنظمة والقوانين أو للحكومة، كذلك وجدنا أن بعض السياسيين يطالبون بمقاطعة الانتخابات بسبب اعتراضهم على قانون تلك الانتخابات أو تكتل الجبهة أو غير ذلك.
قد نتفق على بعض ما جاء من آراء، ولا نتفق على بعضها الآخر، وخاصة فيما يتعلق بموضوع المقاطعة لأنها (تخل عن حق منحه القانون للمواطن) وبالطبع فإن مجلة أبيض وأسود تعني (الرأي والرأي الآخر) ومن هنا جاءت تسميتها، ومن هنا أيضاً كان اتفقنا على رأي واختلافنا مع آخر.
فمقاطعة الانتخابات (مثلاً) تعني التخلي عن الدور الذي يجب ألا يتخلى عنه رجل السياسة، فماذا يعني أن يعترض أحد على قانون الانتخابات وطريقة إجرائها، ويعلن أن لمجموعته أو حزبه السياسي جماهير عريضة ثم يقاطع انتخابات من واجبه أن يخوضها لأنه يمتلك هذه الجماهير، ويدعو الناس إلى مقاطعتها.
وقد يكون قانون الانتخابات أو الجبهة بحاجة إلى تعديل أو تبديل، ولكن عدم حصول ذلك لا يعطي المبرر لأحد بالتخلي عن حقه في الانتخاب أو الترشيح، ولا يعني (الابتعاد عن العمل النضالي) وهنا يطرح السؤال التالي نفسه:
أية أحزاب سياسية هذه التي تهرب من معركة انتخابية، وتطالب بمقاعد نيابية لها على طبق من ذهب؟ ولمَ الهروب من التصويت والترشيح طالما تمتلك قاعدة شعبية واسعة كما تقول؟ أليس الحصول على مقعد أو أكثر (على الأقل) أفضل من البقاء خارج السلطة التشريعية؟ وكيف ستطرح برامجها (إن وجدت) وتصل إلى جماهيرها العريضة التي تتحدث عنها وهي تنزوي منفردة مختارة العزلة؟
أخيراً لا أحد يرى في المعارضة الوطنية إلا حالة صحية، إذ لا يمكن أن تقوم الحياة على الرأي الواحد، والخلاف لا يعني خللاً إن كان من أجل المصلحة الوطنية، وحتى إن اختلفت طرق تحقيقها، والسلبية لا تؤدي إلى أي حل لأي خلاف، كبر ذلك الخلاف أم صغر..
وإن اختلفنا فدعونا نتعلم أولاً كيف نختلف.