بالنسبة لمارلين ديك, رئيس التحرير السابق لجريدة "الـدايلي سـتار", فإن الولايات المتحدة مخطئة في النظر إلى السياسة اللبنانية كنوع من التقابل بين المجموعات الموالية ونظيراتها المعادية لسوريا.
إن الإشكال الحقيقي سوسيو-سياسي في طبيعته, أي أن لامخرج للأزمة مالم تنعم الأغلبية الشيعية بتمثيلية حقيقية على مستوى المؤسسات الحكومية.
لقد أشرت منذ سنتين إلى أن لبنان تعرض للإنقسام بعد مقتل رئبس الوزراء السابق رفيق الحريري. بعدها,حلّت "ثورة الأرز" المثيرة لتضع حدّأً للسيطرة المباشرة لـسوريا على جارتها, وإعلان وشوك حلول الدور الأول من انتخابات برلمانية مبرمجة قبلاً, كان أريد بها ترسيخ دعائم نظام سياسي جديد.
كنت أتوقّع أن يبقى لبنان مقسماً حول قضايا مثل العلاقات مع سوريا, باعتبار أن بعض التيارات السياسية كانت مقرّبة من دمشق ومناهضة للتي تدعو إلى اعتماد محاكمة ولجنة تحقيق أمميتين في قضية مقتل الرئيس الحريري.(كثيرون هم من يظنون بأن سوريا تقف وراء عملية الإغتيال السالفة الذكر, غير أن التحقيق لم يثبت ذلك).
إن الموالين لسوريا إرتابهم الشك بخصوص الدعوة إلى "العدالة" ويودّون سدّ الطريق أمام ما يرون فيه مخطّطاً أمريكياً للسيطرة على لبنان والمنطقة بمجملها. ففي مقدمة المجموعة الموالية لسوريا نجد حزب الله, الوارد إسمه في لائحة المنظمات الإرهابية التي بلورها البيت الأبيض. اليوم, الولايات المتحدة تطالب بنزع سلاح حزب الله, غير أن ذلك ربما يسوق إلى صراعات أهلية. حتى أن بعض حلفائنا في لبنان لايحبذون حصول ذلك بالقوة.
لانزال ندعو حزب الله بالمنظمة الإرهابية, غير أن العشرين سنة الأخيرة شهدت تقدما ثابتاً للحزب نحو السياسة التقليدية- إذ وجد له مكانا في الحكومة عام 2005 بعد الظهور الرابع الجيد له في الإنتخابات البرلمانية.
لقد أشرت, منذ سنتين إلى احتمال بقاء لبنان منقسماً رغم "ثورة الأرز". إن بيروت في قبضة هذا المأزق, وما من حلّ يبدو محتملاً. كما أن آلاف الأشخاص التابعين لحزب الله أو لحركات حليفة, بما فيهم الزعبم السياسي المسيحي (والجنرال السابق) ميشيل عون, كانوا قد إعتصموا وسط العاصمة بيروت لما لايقلّ عن شهر كامل, مطالبين برحيل الحكومة الموالية للغرب.
إن الصراع القائم سوسيو-ثقافي في طبيعته وليس بنزاع عصبي. كما أن آخر الأخبار تقول بأن جهاز المخابرات الأمريكية السي آي إي بصدد بلورة خطط سلمية لدعم حكومة صديق الحريري, السيد فؤاد سنيورة.
ماالذي يتوجب على الولايات المتحدة فعله؟
إن الصراع القائم بين الموالين للحكومة, المدعوون قوى 14 أذار, والمعارضة, تحت إسم فريق 8 آذار, والتي يقودها حزب الله, صراع يتجلى في السباق نحو حجز المقاعد داخل الحكومة الجديدة. غير أن أي صكّ تراض لن يسفر إلا على مزيد من الشّلل. فالواقع أن الحكومة ستصبح مجلس برلمان آخر حيث ينعم داخله الجميع بحق التمثيل ويختلف فيه الشعب عن السياسات.
إن السّاسة, وهم يتهمون بعضهم البعض بتسعيرالقوى الأجنبية, يتجاهلون المشاكل الحقيقية التي يتخبط فيها لبنان, أي الديمغرافية. فالولايات المتحدة, شاءت أم أبت, لايمكنها أن تنسى الماضي, فالحرب الأهلية , مابين 1975 و1990,أعاقت كل تطور للنظام السياسي, القائم ذاته على إحصاء سكاني يعود لعام 1932 والذي أعطى أغلبية طفيفة للمسيحيين.
وفي العام 1989-1990, وبمباركة من دول كالولايات المتحدة والعربية السعودية, نجحت سوريا في تقليص هذا التفاوت المعقد بين المسيحيين والمسلمين. غير أن 15 عاما من وصاية دمشق لم تشهد الإصلاح. كما
يحق للناس أن يستمروا في إدانة البلبلة أو السيطرة الأجنبية بحكم جحافة معرفتهم السياسية, غير أن السوريين رحلوا وهاهي ذي لبنان أمام الطريق المسدود.
إن العديد من مؤيدي النظام السياسي الطائفي يقولون بوجود مشكلة مفادها أن عدد الشيعة إرتفع على غرار السكان السنيين, دون أن ينعموا بتمثيلية رسمية توازي مايحظى به نظراؤهم السنيون أو المارونيون المسيحيون. فالشيعة ممثلة في غالب الأحيان بحزب الله وحليفته حركة أمل, وهما يريدان أن يقولا كلمتهما في الشأن الوطني. وإن كانت إسرائيل ترى في حزب الله عدوا لها, فالأمر يختلف معنا. فلو كان لدينا حقا مشكل مع الإرهاب لما كننا اشتغلنا يدا في يد مع الحكومة اللبنانية, والتي لطالما ضمت وزراء لحزب الله قبل استقالتهم السنة الماضية.
إن حزب الله تنازل, ومنذ عهد بعيد, عن رغبته في إقامة جمهورية إسلامية, ليعتنق ما هو مرادف للسياسة التقليدية اللبنانية, متمتعاً بالدعم الكبير بين الشيعة وبين بعض أعضاء الطوائف الأخرى. كما قرر الحزب حقه في استعمال القوة لتحرير مساحة صغيرة من أرض لبنان التي تحتلها إسرائيل, وإطلاق سراح المعتقلين في سجون الدولة العبرية- فلا المجتمع الدولي ولا قرارات الأمم المتحدة ساعدت أبدا في وضع حدّ للإحتلال الإسرائيلي أو تحرير المحتجزين, ليبقى الإختيار الوحيد هو القوة العسكرية- كما لاحظنا ولسنوات عدّة الممارسة الشبه التقليدية لاحتجاز أسرى الحرب والمطالبة بمبادلتهم, والتي جرت بسلاسة.
إن تحالفات حزب الله طالت كذلك الجنرال ميشيل عون ومجموعات أخرى, أي أن العديد من القوى المسيحية تساند المعارضة. على كل حال فإن معسكر حزب الله واثق من أنه يمثل أكثر من نصف مواطني لبنان , كما أنه نجح في تنظيم أضخم مظاهرة على الصعيد الوطني. فالمعارضة تنادي بتنظيم انتخابات مبكرة للإحتمال الكبير بالفوز بها (حزب الله والعونيون لم يكونا متحالفين خلال انتخابات 2005 ).
إن دعم واشنطن للسيرورة الديمقراطية في مكان دون آخر ليس بالسبيل الأقوم لربح العقول والقلوب في منطقة الشرق الأوسط: فالولايات المتحدة تعارض تنظيم انتخابات مبكرة لأنها ستحلّ ضررا كبيرا بحكومة السنيورة, غير أنها تدعم تنظيم انتخابات مبكرة في فلسطين لأنها ستضعف حكومة حماس.
باستطاعة واشنطن أن تمارس ضغطها كما يحلو لها على حزب الله ولبنان, غير أن ذلك لن يجدي نفعاً مالم يتم تغيير النظام السياسي ليأوي الشيعة. كما أن العراق ولبنان لايمكنهما أن يتجاهلا الثقل والحضور الشيعي القوي فيهما.
إن الإحصاء السكاني الأول والأخير في لبنان يعود لعام 1932, وربما نظّم تعداد آخر قبل 2032. وهو إن حصل, سواء عبر نظام طائفي أو غير طائفي, لن يهلك لبنان, وإنما على العكس من ذلك سوف يقوّيه.
أي مصير ينتظر المسيحيين اللبنانيين؟ فإن شجعت الولايات المتحدة أي تحول ناعم, فإن وثيرة هجرة المسيحيين ربما تقلّ عمّا عرفته خلال الثمانين سنة الماضية, حين نزحوا جراء النظام السياسي اللبناني الظائفي الصارم.
ترجمه خصيصا لشبكة فولتير ومن اللغة الإنجليزية: حكيم إدلسان
جميع الحقوق محفوظة 2007 ©