ربما لا يختلف تقرير براميرتز الأخير عن سابقيه من حيث المعلومات التي قدمها، فهو يتحدث عن تقدم، لكن من الصعب الدخول في تخمينات حول ما توصل إليه المحقق الدولي،
ربما لا يختلف تقرير براميرتز الأخير عن سابقيه من حيث المعلومات التي قدمها، فهو يتحدث عن تقدم، لكن من الصعب الدخول في تخمينات حول ما توصل إليه المحقق الدولي، فمهمته التي تبدو وكأنها تحوم على "قرائن" جنائية، ترافقها "سحابة" من "الظن السياسي"، وفي نفس الوقت "إرباك دولي" في نوعية الترتيبات التي يمكن أن تتخذ.
وحتى اللحظة فإن التقرير إذا تم تجريده عن التحليلات الإعلامية، وعلى الأخص المحللين اللبنانيين، فإنه مازال يضع الجميع في "دائرة الشك"، وهو أيضا لا يوحي بأنه متأثر بالتبدلات السياسية التي حصلت، فباستثناء إشارته إلى موضوع العنف في لبنان وتأثيره على مجرى التحقيق، فإن "الزخم" السياسي داخل ما يعرضه براميرتز يبدو محايدا. هذا الأمر لا يعني أن الموضوعية هي سمة لما يجري، على الأخص أننا نجهل حتى اللحظة لمن سيوجه الاتهام، وفي نفس الوقت فإن "إسقاط" الشبهة لم تتم حتى الآن لا من قبل براميرتز ولا حتى من أجهزة الإعلام.
لكننا على الأقل يمكننا أن نضع نقطة واحدة هو أن دورية "التقرير" تعلن "سيف المحاسبة" المسلط على الجميع، بينما تظهر المحكمة الدولية وكأنها المساحة المظلمة التي يلوح بها البعض تجاه المنطقة ككل. وفي المقابل فإن الزمن الذي مضى منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري يشكل "ضياعا" في مختلف المسائل، فأسئلة الاستفهام أصبحت أكثر من أن تبقى ضمن "دائرة" الحقيقة، وعمليات التشكيك استطاعت بالفعل أن تبدل على الأقل من التفكير السياسي حول "الجغرافية – السياسية" التي تجمع لبنان بسورية على الأقل، فاليوم لم يعد من السهل الحديث عن هذا الموضوع وفق حالة "شرق أوسطية" على أقل تقدير، فالإجراءات السياسية قلصت مساحة الحرية بين البلدين التي اعتاد عليها الناس منذ أوائل القرن الماضي. فالتفكير السياسي بين البلدين لا يشهد افتراقا بل عزلا كاملا وهو موضوع يؤثر على النظام الاجتماعي أكثر من تأثيره في الآليات السياسية.
عمليا فإن الزمن الضائع منذ سنتين وحتى اليوم يشكل مرحلة حرجة تشكل العلاقات السورية – اللبنانية جزءا منها، لكن الصورة الأعم هي في محاولة "صياغة" الصراع انطلاقا من لبنان. فالحديث عن التحالف السوري – الإيراني ينطلق من لبنان، والتقارير حول علاقة سورية بالإرهاب تخرج من لبنان أو تتحدث عن لبنان كنموذج، وحتى مسألة "الصراعات المذهبية" تتفاعل إعلاميا في لبنان، وأخيرا فإن الحديث عن "السياسة السورية والمعارضة فيها تحاول أن تتكأ في لبنان.
هذه الصورة مقلقة خارج "الإجراء" السياسي أو تصريحات المسؤولين، لأنها تنطلق من جغرافية اعتدنا عليها لتصبح غريبة لحد كبير، وهذا الأمر يهدد شكل المنطقة أكثر من أي وقت مضى.