كانت مسألة وقت فقط حتى يخرج الخلاف السعودي السوري الى العلن ووفق القاعدة الصحيحة والصائبة والتي تتأكد على أرض الواقع يوما بعد يوم والقائلة إن المرض او الخلاف اذا ما طال ولم يطرأ عليه تحسن بمرور الوقت، تزيد احتمالات التدهور والسوء وهذا ما حصل بالضبط مع العلاقات او بالأصح الخلافات السورية ـ السعودية.
يجب الانتباه الى ان الخلاف اندلع بشكل علني او لم يعد مخفيا منذ عام تقريبا، أي اثناء حرب لبنان الثانية وذلك على خلفية فهم وتحليل العدوان وأسبابه وأهدافه وللإنصاف او بالأحرى للدقة فإن جذور الخلاف تعود الى ما قبل ذلك بخمس سنوات أي الى بداية القرن الحادي والعشرين الذي شهد زلزال الحادي عشر من ايلول سبتمبر 2001 ومن ثم الاندفاع الاميركي المجنون والكارثي والعدوان نحو الحرب والعسكرة والاحتلالات، كان ثمة تباين سوري سعودي تجاه كيفية صد او بالأحرى تحجيم التسونامي الاميركي ولم يكن الخلاف او التباين حول ملفات مثل العراق وتطوراته الداخلية ولبنان وملفي التمديد واغتيال الرئيس رفيق الحريري وفلسطين وتركة او حقبة ما بعد الرئيس ياسر عرفات سوى مظاهر او تجليات لجذر الخلاف والتباين وهو الموقف، أو رد الفعل تجاه السياسات الاميركية التي اجتاحت المنطقة خلال السنوات الماضية.
نظريا جرى تجاوز الخلافات تجاه حرب لبنان وعقد لقاء سعودي سوري رفيع على هامش القمة العربية التي عقدت في الرياض آذار مارس الماضي غير ان الوقائع على الارض اثبتت انه لم يكن اكثر من اجتماع شكلي وبروتوكولي بحيث لم يترجم على هيئة لقاءات اخرى ولو على مستوى منخفض تخصص لمناقشة مستفيضة وصريحة لنقاط التباين ومحاولة جسر هوة الخلافات قدر الإمكان.
إذاً في الذكرى السنوية الأولى لحرب لبنان وبعد شهور فقط على انتهاء القمة العربية خرج الخلاف السعودي السوري الى العلن ربما بحدة غير مسبوقة وهذا التطور سيترك بلا شك آثارا سلبية على العمل العربي المشترك بشكل عام وعلى التطورات الداخلية في عدة بلدان عربية تعاني الازمات والمشاكل مثل فلسطين ولبنان وبدرجة أقل العراق.
في فلسطين ستؤدي القطيعة السعودية السورية الى مزيد من التأزم والجمود على صعيد الخلافات الفلسطينية الداخلية وتحديدا العلاقات بين حركتي فتح وحماس خاصة ان السعودية كانت بمثابة الأمل الاخير لجمع الحركتين معا على طاولة التفاوض والحوار بدعم وتشجيع من دول عربية اخرى وعلى رأسها سوريا بالطبع، وهنا يجب التذكر ان الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز امتنع عن لقاء الرئيس الفسطيني محمود عباس في عمان أواخر حزيران يونيو بعد احداث غزة المشؤومة لرفض هذا الأخير الموافقة على بيان رسمي يتضمن العودة الى الحوار وتنفيذ اتفاق مكة وإعادة الاعتبار لفكره ومفهوم حكومة الوحدة الوطنية.
طوال شهرين تقريبا ظلت السعودية مصرة على الحوار وعلى اتفاق مكة كمدخل لحل ومعالجة المشاكل الداخلية الفلسطينية. وخروج الخلاف السعودي السوري الى العلن بهذه الحدة والفجاجة وتحميل السعودية لسوريا بشكل غير مباشر المسؤولية ولو الجزئية عن أحداث غزة سيؤثران سلبا على الوضع في فلسطين حيث ان الخلاف يشكل سببا وربما نتيجة لما تنشره الصحافة الاسرائيلية عن موقف سعودي مستجد داعم حتى النهاية للرئيس محمود عباس ومتخل او مبتعد عن الحوار وحكومة الوحدة وغير مصر على مشاركة حماس وسوريا في اللقاء الدولي للسلام حول الشرق الاوسط في الخريف القادم رغم ان الموقف السعودي التقليدي غالبا ما أصر على تنفيذ المبادرة العربية للسلام بصفتها الحد الادنى للموقف العربي المشترك وعدم المشاركة في أي لقاءات ذات منحى اعلامي وبروتوكولي لا تتعاطى مباشرة مع جذر النزاع أي الاحتلال الاسرائيلي للاراضي العربية وضرورة الانسحاب منها وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة الكاملة السيادة كشرط قبل أي خطوة او لقاء مشترك مع الاسرائيليين.
الصحافة الاسرائيلية تدعي ان السعودية ضغطت لعدم دعوة سوريا للقاء رغم ان مقالات معتبرة في تلك الصحافة نفسها أشارت الى ان غياب سوريا وحتى حماس سيجعله غير ذي صلة وليس اكثر من مهرجان سياسي اعلامي لن يؤدي الى حل المشكلة في فلسطين والمنطقة بل الى تصعيدها وتعقيدها.
على المدى المباشر والمرحلي سيكون لبنان اكثر المتأثرين بالمعنى السلبي من الخلاف السعودي السوري خاصة في ظل الايمان والاعتقاد بصعوبة التوصل الى حل للازمة الحالية في لبنان دون تفاهم عربي عربي أي سعودي سوري وتفاهم إقليمي دولي «سعودي سوري ـ ايراني فرنسي» تجتهد السعودية للوصول اليه وتمثل المحرك او العراب له كوسيلة من وسائل تحييد الموقف الاميركي السلبي او بالاحرى تطويعه لصالح التفاهم العربي والاقليمي والدولي المفترض ان يستند على قاعدة تفاهم التزامن بين حكومة الوحدة الوطنية والتوافق على الرئيس الجديد، وهذا الأمر يمثل الحد الأدنى ولكن الضروري والملح من اجل انقاذ لبنان وتحييده عن الملفات الاقليمية والدولية العالقة أي تجاوز الموقف الاميركي المصر على الربط بين احلال الهدوء في لبنان والمأزق والغرق الاميركي في الوحل والمستنقع العراقي وفق القاعدة السلبية والمستفزة لا هدوء وسلام في لبنان قبل ان يحل الشيء المماثل في العراق ليس للشعب العراقي بل لجنود الاحتلال الاميركي.
الخلاف السعودي السوري سيؤدي وللأسف الى مزيد من التلبد في الاجواء الاقليمية وستستغل اميركا بالتأكيد كما استغلت الخلاف الفلسطيني الداخلي لاحداث مزيد من الانقسام بين الدول العربية كوقود وزخم لما يوصف بمحور المعتدلين في مواجهة محور المتطرفين ومحور المعتدلين لن يضم فقط بعض الدول العربية وانما ستتموضع اسرائيل في مركز هذا المحور الهادف الى خدمة مصالحها وتحقيق ما لم تستطع تحقيقه على ارض المعركة سواء في فلسطين او حرب لبنان الاخيرة.
كنت وما زلت ضد نقاش خلافات الدول العربية على صفحات الصحف والمنابر الاعلامية الاخرى فهذه الامور تناقش فقط في الغرف المغلقة وبشكل مباشر وصريح وأهم من ذلك ان التجربة التاريخية اثبتت ان لا مجال او مكان في هذه المنطقة الا لمحور واحد المحور العربي الساعي لتحقيق المصالح العربية وإفشال وإجهاض كافة المشاريع الخارجية والمعادية.