تعتبر شركة "بلاك ووتر" واحدة من ابرز الشركات العسكرية الخاصة في الولايات المتحدة, وقد تاسست وفق القوانين الامريكية التي تسمح بمصانع وشركات عسكرية خاصة, ورغم ذلك تعرضت لانتقادات واسعة بعد نشر كتاب "مرتزقة بلاك ووتر.. جيش بوش الخفي" الذي قال انها تدعم الجيش الامريكي بالعراق فيما يخضع جنودها للحصانة من الملاحقات القضائية.
وقال رئيس شركة "بلاك ووتر" العسكرية, في حديث صحافي نادر, ان الشركة توقع عقودا مع حكومات اجنبية منها حكومات دول مسلمة لتقديم خدمات امنية بموافقة حكومة الولايات المتحدة, كما اوضح ان شركته لا تمانع وجود الشواذ في صفوفها.
وتعتبر هذه التصريحات هي الاولى من نوعها لـ"غاري جاكسون", مدير "بلاك ووتر" (الماء الاسود), وذلك بعد سلسلة من التقارير التي اشارت الى تورط الشركة بما يحصل في العراق.
وتزامن هذا التصريح مع تقرير حديث نشره صحافي امريكي اشار الى القرار الامريكي رقم 17 عام 2007 والذي يمنح حصانة لهؤلاء المتعاقدين العسكريين بعدم الخضوع للادعاء والمحاكمة في بلادهم, فيما يتم تهريبهم من العراق اذا طلبهم قضاء العراق.
وكان الصحافي الامريكي البارز "جيرمي سكاهيل" كتب في الاونة الاخيرة في صحيفة "لوس انجلس تايمز" تحت عنوان "مرتزقتنا في العراق", ان المرتزقة يشكلون اليوم ثاني اكبر قوة في العراق, مضيفا "هناك نحو مئة الف في العراق, منهم 48 الفا يعملون كجنود خاصين, تبعا لتقرير صادر عن مكتب المحاسبة الامريكي".
وقبل مقاله هذا, كان "جيرمي سكاهيل" قد اصدر كتابا حمل عنوان "مرتزقة بلاك ووتر.. جيش بوش الخفي", كشف فيه بعض الجوانب الخفية عن عملهم بالعراق حيث تصل اجرة الشخص الى 1500 دولار يوميا. ويروي في كتابه بداية انطلاق شركة او جيش "بلاك ووتر", الذي وصفه بانه اقوى جيش للمرتزقة في العالم, بعد ان تبنى البنتاغون سياسة جيش القطاع الخاص التي وفرت له اكثر من مائة الف من المرتزقة يقاتلون في العراق لصالح الجيش الامريكي.
وفي حديثه للموقع المتخصص بالشؤون الامنية (the spy who billed me) يقول غاري جاكسون رئيس شركة بلاك ووتر: مهمتنا الاولى هي دعم الامن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة ولا يمكن ان نقدم خدمة لاي جهة اذا كانت تعارض هذا المبدا.
وردا على اتهامه بانه "ناشط مسيحي يسعى من وراء هذه الشركة للدفاع عن المسيحيين حول العالم في وجه العلمانيين وفيما اذا كان لديه قساوسة في الشركة وما دورهم", اجاب: اولا نحن لسنا جيشا خاصا بل فريقا من المتطوعين العسكريين المتدربين على الخضوع للقانون لحماية الدبلوماسيين وتقديم التدريب وخدمات لوجستية ونقوم بذلك في عمليات حفظ السلام لدول صديقة ومنها دعم بعض الحلفاء المسلمين.. ورغم اني لا احب الحديث عن حياته الشخصية لكن اقول لك ان اريك برينس( مؤسس الشركة) يؤدي الصلوات وهو من الرومان الكاثوليك وليس متطرفا ابدا. وكاي وحدات شرطة او وحدات عسكرية لدينا قساوسة.
واجاب رئيس "بلاك ووتر" على سؤال هل توظفون الشواذ, بالقول "لا نبالي اذا كان بيننا موظف شاذ ومثلي وما يهمنا منه فقط ان يؤدي عمله". علما ان الجيش الامريكي يمنع وجود الشواذ في صفوفه عندما يعترفون بذلك, ولكن لا يسالهم عن هذا الامر قبل انضمامهم للجيش.
وردا على القول ان المقاتلين المرتزقة تستخدمهم الحكومة الامريكية لانهم لا يخضعون لاي قانون في بلادهم, قال: هناك قوانين نخضع لها ونحن مع محاسبة اي شخص في شركتنا اذا اخطا.
وقال ايضا "لدينا عقود مع حكومات اجنبية ونقدم لها خدمات امنية ولكن بعلم وموافقة الولايات المتحدة.. كما اننا ندعم دولا اسلامية حليفة لامريكا".
يذكر ان غاري جاكسون, رئيس بلاك ووتر, هو ضابط سابق في البحرية الامريكية. اما مؤسس الشركة "اريك برنس" فهو ملياردير امريكي تصفه بعض وسائل الاعلام الغربية بانه "مسيحي اصولي", وهو من عائلة جمهورية نافذة.
واميط اللثام عن نشاط "بلاك ووتر" (جيش الماء الاسود) في العراق لاول مرة عندما اعلن في 31 اذار 2004 عن قتل المقاومة لاربعة من جنود هذه الشركة كانوا يقومون بنقل الطعام. وفي نيسان 2005 قتل خمسة منهم باسقاط مروحيتهم. وفي بداية 2007 قتل خمسة منهم ايضا بتحطم مروحيتهم.
وكتبت صحيفة "واشنطن بوست" في عام 2004 ان فرقا عسكرية (مغاوير) من النخبة استاجرتهم حكومة الولايات المتحدة لحماية الموظفين والجنود وضباط الاستخبارات في العراق. وقالت ان وصفهم بالمتعاقدين العسكريين مع الحكومة ليس دقيقا والوصف الصحيح هو "جنود مرتزقة" وتحدثت عن ارسال الالاف منهم الى العراق.
وفي كانون الاول 2006 كتب مارك همنغواي في مجلة "ويكلي ستاندرد" واصفا موظفي هذه الشركة بانهم "محاربون بالاجرة".
ويشار هنا الى ان الفيلم الوثائقي المعروض في 2006 (Iraq for Sale: The War Profiteers ) اتهم الشركة بالمسؤولية عما جرى في ابو غريب جزئيا.
وكان نائب رئيس الشركة كوفربلاك قد قال ان "البلاك ووتر" مستعدة لاعادة السلام في اي منطقة صراع في العالم. كما صرح كريس تايلور احد مدراء هذه الشركة انه يمكن ارسال قوات من الشركة لاستعادة الامن والسلام الى دارفور بغطاء من الناتو والامم المتحدة.
وبالعودة الى المقال المنشور حديثا في صحيفة "لوس انجلس تايمز", ينقل الصحافي "جيرمي سكاهيل" عن شهادة الجنرال الامريكي في العراق ديفيد بتريوس قوله امام لجنة في مجلس النواب (الكونغرس) ان وجود عشرات الالاف من الجنود التابعين لشركات خاصة مهم جدا لتنفيذ المهمة الامنية في العراق, واعترف ان حراسته لم تكن من الجيش وانما من قبل الشركات الامنية.
ورغم ان شركة "بلاك ووتر" تقول ان دورها بالعراق هو تقديم خدمات امنية, يقول "جيرمي سكاهيل" انه قتل 770 من المتعاقدين وجرح اكثر من 7 الاف شخص, وتم توفير غطاء سياسي للبيت الابيض من خلال السماح له بمضاعفة القوات في العراق عن طريق القطاع الخاص والتعتيم على الحجم الحقيقي للخسائر البشرية في العراق, ولا توجد اي احصائية رسمية او اعلامية لعدد القتلى من المرتزقة, اذ لا يوجد نظام يحاسبهم او يخضعهم ولا قانون عسكري او مدني يمكن تطبيقه فيما يتعلق بنشاطهم.
وقال "جيرمي سكاهيل" ان "القوات الامريكية في العراق اصدرت القرار رقم 17 عام 2007 والذي يمنح حصانة لهؤلاء المتعاقدين من الخضوع للادعاء في العراق". ونقل عن احد المتعاقدين انه اذا تسربت انباء عن احتمال الادعاء علي اي شخص منهم في العراق يتم تهريبه الى خارج البلاد فورا.
واضاف "رغم عددهم الكبير بالعراق وما يقترفون من انتهكات تم توجيه تهمة الى اثنين فقط, احدهم طعن زميله واخر كانت بحوزته صور اباحية لطفل في سجنه في ابو غريب.
واضاف رغم ان الكثير من الجنود الامريكيين ادينوا امام المحاكم الا انه لم تتم ادانه اي من المتعاقدين العسكريين.
واتهم الديمقراطيين بانهم لم يقدموا اي شيء في هذه القضية رغم اعرابهم عن القلق حيال ما يثار حول دور هذه الشركات الخاصة في العراق. وقال ان عقودها مع الخارجية الامريكية منذ اواسط 2004 وصلت الى 750 مليون دولار.
كما تحدث "جيرمي سكاهيل" عن "دورهم الذي وصل حتى حماية الرئيس بوش والسفير الامريكي في العراق وكل المسؤولين الامريكيين الذين يزورون العراق وتدرب قوى امنية افغانية في منطقة بترولية قريبة من الحدود مع ايران".
وقال "لديهم قوات منتشرة في 9 دول وعشرين طائرة, ومكان الشركة في امريكا هو اكبر مساحة واسعة مخصصة لشركة عسكرية خاصة في العالم".
وقال عن مؤسس "بلاك ووتر" اريك برينس انه امريكي محافظ ويدعم الرئيس بوش.
ومن قادتها: كوفر بلاك الرئيس السابق لوحدة محاربة الارهاب في السي اي اي, روبرت ريتشر نائب سابق لرئيس الاستخبارات, جذيف شميتس المفتش العام السابق في البنتاغون.
يشار الى ان خوسيه برادو, رئيس مجموعة العمل التابعة للامم المتحدة لشؤون المرتزقة, كشف في التقرير الذي اعده في شباط الماضي بان المرتزقة الذين يعملون في العراق يشكلون اليوم القوة العسكرية الثانية بعد الجنود الامريكيين وان عددهم اكبر من عناصر القوات البريطانية.
ويضيف خوسيه في تقريره ان "هناك 160 شركة على الاقل تعمل في العراق, وهي تستخدم على الارجح 35 الفا الى اربعين الف مرتزق غالبيتهم عناصر شرطة سابقون وعسكريون يتم تجنيدهم من الفليبين والبيرو والاكوادور وجنوب افريقيا".