لتكن البداية عالمية تفضح تجارة قوامها أجساد الأطفال والقصر. معايير التجارة واضحة لا خلل فيها ولا تسامح أبداً.. يفترس فيها الأقوياء الضعفاء ويسري
سها مصطفى
لتكن البداية عالمية تفضح تجارة قوامها أجساد الأطفال والقصر. معايير التجارة واضحة لا خلل فيها ولا تسامح أبداً.. يفترس فيها الأقوياء الضعفاء ويسري
لتكن البداية عالمية تفضح تجارة قوامها أجساد الأطفال والقصر.
معايير التجارة واضحة لا خلل فيها ولا تسامح أبداً..
يفترس فيها الأقوياء الضعفاء ويسري في عالمهم السري قانونهم الأوحد ..البغاء المحكوم بسطوة المال ولا شيء سوى المزيد من المال لإشباع شبقهم.
الإحصائيات العالمية تؤكد أن سن الأربعة عشرة عاماً يعد معدل ولوج عالم البغاء، حيث تتعرض نسبة 49% من فتيات الشوارع للاستغلال الجسدي.
منهن 50% دخلن عالم البغاء وأعمارهن لا تتجاوز 9إلى 13 عاماً..
محلياً تشير الإحصائيات الرسمية (على تواضعها) إلى أن معظم حالات الجنح للأحداث تقع ضمن الدعارة..
وهذا يضعك أمام مفارقة.
ففي سورية كباق هذا الجزء من العالم الملقب بالشرق، والمدعو بناء على ذلك (بمجتمع شرقي) المصرح به يختلف كثيراً عن المسكوت عنه والذي بدوره يبتلع الكثير مما لم يخرج للعلن بعد.
لذلك لن تجد كافة المعلومات بشكل كاف أو موثق أو مدروس بشكل علمي...فهيئة شؤون الأسرة لا معلومات لديها عن الاستغلال الجنسي للقواصر أو للمرأة أو للأطفال.
وهي وبكل جهودها (المخملية) لم تستطع أن تنشأ (إلى اليوم) دار للفتيات المعنفات..
كل الدروب تؤدي إلى..
لتكون المعادلة كما يلي: الظاهرة أمامك وفي كل مكان يمكنك ملاحظتها ومشاهدتها وهي تتخذ مسميات مختلفة.
منها الفن في الكازينوهات، ومنها الأنموذج الرسمي الموافق نوعاً ما لعدم مقدرة السيطرة على هذه الظاهرة تحت عنوان السياحة..
هذا النوع من السياحة الذي اجتاح عبر المرابع الليلية طبقات عديدة في المجتمع السوري واحتل علانية رغم عدم الاعتراف بالدعارة كمهنة مواقع عدة ومعروفة للجميع ...
بدءاً من التل إلى معربا إلى دمر إلى جرمانا وطريق المطار وحتى قلب العاصمة دمشق،
وحتى لا نكون مجحفين ونضع كل التركيز على العاصمة وأطرافها..
بدورها مناطق الاصطياف في الساحل لا تخلو من مطاعم الفن الرخيص، الذي لا يعدو سوى واجهة تتخفى خلفها الدعارة بشكلها الفج والمباشر كما في كل من اللاذقية وطرطوس وحماة كظاهرة معممة لم تعد تقتصر على بعض الكازينوهات والمرابع الليلية.
والغريب أنه مع الانتشار الظاهر الذي يعرفه الجميع لهذه الظاهرة فإنها تستمر دون أدنى تنظيم بكل ما تحمله من أخطار صحية واجتماعية تهدد المجتمع.
رغم أنها (هذه السياحة) لم تعد مقتصرة على الصناعة المحلية في ظل المنافسة مع الجنسيات العربية الوافدة مؤخراً إلى سوريا في كازينوهات دمر وطريق المطار ومطاعم فاخرة في قلب العاصمة دمشق..
ديمقراطية الدعارة والتشرد!
سائقو سيارات الأجرة التكاسي يصنفون هذه المطاعم وفق فئات طبقية منها للطبقات المخملية ومنها للفئات الشعبية، والقاسم المشترك بينها هو توفير كافة الطلبات على اختلاف أنواعها بما فيها البضاعة الأبخس ثمنا والأكثر استغلالاًً من القاصرات..
وفي الحالتين وافدات أم مستجدات في المهنة، القاصرات هنا لا فرق بين جنسياتهن، فالكل يتوحد بقاسم مشترك يبدأ بالسن( دون الـ18) وينتهي بالاستغلال الجنسي (الدعارة).
ندى( 14سنة) التقتها سوريا الغد في معهد الفتيات الجانحات في دمشق..هي من بلد عربي مجاور منكوب بحرب يفترض أنها حملت الديمقراطية لأبناءه..
ولكنها انتهت بهم مشردين في دول عربية متعددة، وكان نصيب الأطفال والفتيات من هذا التشرد هو العمل في الدعارة في الملاهي الليلية مثل ندى.
وهي ليست وحيدة، هناك الكثيرات اللواتي يشاركنها مهنتها كما تقول " مضى لي عامان في سوريا، ومعي العديد من الفتيات من عمري وبعضهن أصغر مني بعضهن سوريات وبعضهن لبنانيات وكذلك عراقيات"..
ليل ندى طويل يبدأ "الساعة 2.30 في كازينو( ت.ا) في منطقة التل ويمتد حتى ساعات الصباح".
وللتحايل على قوانين مكافحة الدعارة، تتزوج الفتيات من قواديهن لضمان تخريجهن من السجن (في حال ضبطها من شرطة الآداب)..على اسم الزوج الرديف جداً للقواد في هذه الحالة وفي غيرها من الحالات..
ندى متزوجة من شاب من بلدها، تقول عنه " رجلي (زوجي) يجبرني على العمل بالدعارة".
تضيف" وهو يأخذ كل ما أحصل عليه من مال".
أهلية محلية
في سابقة شاهدها السوريون على شاشتهم الرسمية خرجت ناريمان الفتاة ابنة الست عشرة عاماً في برنامج الزاوية القانونية الذي كانت تعده المحامية ميساء حليوة لتعلن "اغتصابها واجبارها على العمل في الدعارة من قبل عصابة منظمة في منطقة جرمانا، تختطف القاصرات لإجبارهن على العمل بالدعارة".
وبينت من على شاشة التلفزيون السوري" أن بعض عناصر الأمن الجنائي متواطئين مع العصابة".
ولم نستطع معرفة تطورات القضية بعد إيقاف البرنامج عن العرض منذ قرابة العام .
وفي الحقيقة ليس بالضرورة أن تكون العصابات والمافيات المنظمة دائماً خلف الدعارة..
ففي حالة سلام (16 سنة)، لم تنتظر أسرتها على أي مافيا لدفع بناتها إلى الدعارة والقضية بسيطة تبدأ بعقد زواج بالمحكمة، قد لا تحتاجه أصلاً مع الموضة الدارجة من كتاب الشيخ (زواج عرفي)..
فمافيا الدعارة سواء كانت أسرية أو منظمة لها أساليبها المتوافقة مع مستوى تنظيمها، ففي حالة الأسرة تعمل الأسرة عبر إجراء بسيط (كتاب شيخ) على إضفاء قليلاً من الشرعية التي تخرس المجتمع ليكون عندها كل ما يحدث هو حلال في حال مواجهته لأدنى سؤال عن شكليات الشرف وفق المنظور المجتمعي.
فالطفولة هي مجرد سلعة تباع وتشترى وفق أرقام محددة وبأختام وأوراق رسمية تشرعن ما يحدث بالتحايل عبر مسميات مختلفة تحت ستار زواج مسيار أو متعة أو حتى كتاب شيخ.
ما يجعله أشبه بالصفقة التي ترتجع فيها السلعة مع انتهاء صلاحيتها أو بعد الانتهاء منها..
كسلام التي سبق وأن تزوجت وهي ابنة أربعة عشر عاماً..
ثم طلقت وتزوجت مجدداً بأمر من أسرتها التي لم تجد فيها سوى قطعة للتداول في مزاد علني تباع فيه الأجساد وتشترى.
تماماً كما في أسواق النخاسة حيث يباع العبيد والأقنان مع فارق غير مقتصر على الزمن وانما يخترقه إلى مجموعة من الأشخاص الذين تحولوا إلى عبيد للمال!
أطفال ولكن
أسعار التداول في بورصة الجسد تبدأ من 10 ألاف ليرة سورية ثمنا لليوم بكامله إلى 6000 ليرة سورية ثمناً لليلة الواحدة.
وتهبط إلى (3000 ل س) ثمناً للساعة الواحدة..
تقول سلام " زوجي الثاني أجبرني على هذا العمل مع رجل آخر من منطقة القابون يدعى أبو عبدو".
وتضيف" كنت أذهب لشقق فيها فتيات أخريات معظمهن متزوجات".
هذه الشقق تقع في "مساكن برزة والتل ودوار العباسيين ونهر عيشة وشارع النور"..
سلام اليوم تنزل في دار الجانحات..
قصص الدار مع خلفياتها العائلية المتشعبة تبدو أكثر قسوة من الواقع ومن الحياة نفسها.
فالعاملات في الدار يعرفن أسر الفتيات اللواتي يحملن قصص متشابهة تبدو وكأنها لعنة تجر فتيات العائلة الواحدة بالوراثة نحو قدر واحد..
سبقت سلام أختها الكبرى للعمل في الدعارة، والتي بدورها سبق أن حلت نزيلة في الدار، ومع استمرارها بامتهان الدعارة تحل اليوم نزيلة في سجن النساء في دوما..
هذا الوضع سيشمل بشكل أو بآخر سلام سواء شاءت أم أبت لتسير بتواتر عائلي على خطا أختها..لتتوالى الوجوه بالترتيب على معهد الفتيات الجانحات كمنطلق ومنه إلى سجن النساء.
تقول سلام" أختي وصهري يعملان بالدعارة وسبق أن اغتصبني زوجها بموافقتها".
وكل من الأب والزوج يحصلان على المال الذي تجنيه كل من سلام وأختها عبر استغلالهما الجنسي.
طفرة نوعية
الفقر الجهل التخلف الأسر المفككة عوامل تنسج شبكة محكمة كخيوط العنكبوت حول القاصرات..
النتائج البدهية لها تدرج تحت يافطة عمالة الأطفال بشكل عام، التي تتمفصل فيها هذه العمالة إلى الاستغلال الجسدي والجنسي كما في هذه الحالات التي حصلت عليها سوريا الغد.
فايزة (16سنة) والدها ترك المنزل من 9 أعوام بعد أن طردته والدتها إثر ضبطه مع خالتها (بالجرم المشهود)...
فايزة كانت تعمل آذنة لقاء 4600 ل س تسدد منها إيجار المنزل، إلى أن قررت الهرب من مدينة دير الزور باتجاه دمشق..
في الحميدية التقت بفتاة تدعى شريهان..والتي بدورها ورغم صغر سنها (15سنة) تعمل كسمسارة لقوادة تجمع لها الفتيات وتأخذ عمولتها مقابل ذلك.
وهي معروفة جيداً من قبل الأمن الذي قبض على فايزة إلى جانب الجامع الأموي..
لتحول للدار ومنه إلى منزل أسرتها التي أعادتها إلى العمل من جديد..
كانت تلك زيارتها الأولى للدار.
لم تلبث أن هربت مجدداً..وهذه المرة قصدت مباشرة إحدى الفتيات اللواتي تعرفت عليهن في زيارتها الأولى للدار وتدعى ملكة.
ما يستدعي السؤال بشدة عن ضرورة الفصل بين نزيلات التسول والتشرد أو السرقة وبين نزيلات الدعارة..
يبقى معرفة أن ملكة( 17سنة) هي "من نور حلب مضى لها ثلاث سنوات من العمل في كازينو (م.ا) في التل"..وفقاً لفايزة التي عادت للدار بعد أن انغمست في عالم ملكة.
قصة مشبوهة
أسماء (16) دخلت المعهد باشتباه الدعارة بعد زيارتها لشقة مشبوهة في دوما.
ألاء تؤكد لسوريا الغد أنها "استدرجت لهذه الشقة من قبل صديقة (لزوجها) تعمل في الدعارة!
تكملة الحكاية تماماً كباق القصص..أسماء تزوجت من شخص رفضته أسرتها ودفعها للعمل بالدعارة، والأسرة بدورها مؤلفة من أم وأب مطلقين بكل ما تحمل بعض هذه الحالات من عنف جسدي أو نفسي..
عن القانون
القوانين التي تكافح الدعارة بدورها تحتاج لتحديث لتتوافق ومعطيات الواقع اليوم..
كما يتبين من دراسة للمحامية ميساء حليوة.
تفيد أن القانون رقم 10 لعام 1961 في مادتيه 509 و520 نص على معاقبة من يقصر شخص أو أكثر على ممارسة الفحشاء أو سهلها له أو ساعده يعاقب بالحبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات وبغرامة لا تقل عن 75 ل س إلى 600 ل س ..
ويعاقب العقاب نفسه من تعاطى الدعارة السرية أو سهلها"..
ضمن هذا الإطار توضح الدراسة وجود عدد من الفجوات والثغرات التي تنفذ من خلالها الدعارة ومجرميها من القوادين..
ومنها "عدم وجود منظمات عاملة ومتخصصة في هذا المجال وعدم وجود دراسات عربية ومحلية والتكتم وعدم الاعتراف بهذه الظاهرة"
بالإضافة للصعوبات التي تواجهها هذه الدراسات "بحجة العيب محلياً والاضرار بسمعة البلد وحتى الدراسات الرسمية لا تحمل إحصاءات حول هذه الظاهرة وإن وجدت فهي عقيمة خاصة مع تفاقم الزواج المدبر والمبكر لدول عربية".
وربما يمكننا إضافة أن الغرامات البخسة (وفق القانون) لا تعادل ما تدره هذه المهنة من أموال طائلة لقاء ساعة واحدة فقط!
عن المجتمع الأهلي..
في مجال التعاون والتطوع القضية اكثر تعقيداً وتشابكاً، إذ ترى دينا شباط مديرة معهد التربية الاجتماعية للفتيات.
أن القضية مرتبطة بوضع قانون جديد يغطي الرعاية اللاحقة للأحداث.
ويفترض أن يترافق ذلك بتحرك المجتمع الأهلي وهو ما تحاول وزارة الشؤون العمل عليه من خلال الجمعيات الأهلية..
توضح ذلك شباط بأن بعض الجمعيات الاهلية (الخيرية) ترى أن فتيات المعهد لا يستحققن الحسنة و المساعدة، لذلك الأمر يرتبط بتصحيح نظرة المجتمع ولا يقتصر على الوزارة أو كيفية إدارة المعهد فقط .
وبالوقت نفسه فإن بعض الجمعيات الخيرية تعمل على تقديم الطعام فقط ، وما نحتاجه في المعهد هو أكثر من مجرد الطعام ، وانما العمل التطوعي التنموي الثقافي والتدريبي.
قطع غير نادر
المعهد إياه في باب مصلى في دمشق هو المركز الوحيد في سوريا للاحداث من الفتيات، ويضم حالات الدعارة والتسول وجنح السرقة وغيره مما يتعلق بجنح القصر.
ويستقبل الحالات من كل المحافظات بما فيها الموقوفات والمحكومات والمودعات.
بكل ما يحمله ذلك من ضغط وحاجة لتوسيع الكادر كضرورة يفرضها طبيعة التعامل مع الأحداث من جهة أخرى، ومن جهة بكل ما يحتاج هذا الكادر لامتيازات وتشجيع أعلى..
وبهذا يمكن القول أننا نعلم بوجود الدعارة ولكننا لا نعترف بها لعدم وجود أدنى رغبة أو ربما عدم مقدرة السيطرة عليها نظراً لكونها خارج إطار سحب الدعم...
دون وجود نية لسبر معالمها أو إحصاءها أو حتى دراستها..
فلا أرقام أو إحصائيات عن النشاط الملقب بالسياحة من معظم الجهات المعنية التي هي إما لا تملك المعلومات، أو انها لا تستطيع التصريح عما يدور في المجتمع السوري ..