بدأت الولايات المتحدة فجأة ومن دون مقدمات، حملة اعلامية محمومة لتوجيه تهمة السعي لامتلاك أسلحة نووية الي سورية. وقد تولي القيام بهذه الحملة مجموعة من السياسيين الكبار في وزارتي الخارجية والدفاع، حيث أعلن مساعد وزيرة الخارجية لشؤون التسلح أندرو سيميل، أن سورية باتت مدرجة في قائمة أمريكية للدول المشتبه في أن لها أنشطة نووية سرية.
أما وزير الدفاع روبرت غيتس فانه لم يكتفِ باتهام سورية، بل أضاف اليها كوريا الشمالية، اذ قال: ان التعاون النووي بين سورية وكوريا الشمالية سيمثل مشكلة للولايات المتحدة. لكن لماذا هذا الاتهام الأمريكي المفاجئ لسورية بالسعي لحيازة التقنية النووية، ولماذا تم ربط كوريا الشمالية بهذا الموضوع؟ الواقع هناك حالة عداء كبيرة بين سورية والولايات المتحدة منذ أن غزت هذه الأخيرة العراق عام 2003، ذلك أن سورية وقفت ضد هذا الغزو ورفضت أن تقدم المعونة والمساعدة للجيش الأمريكي. ولم تتأخر الادارة الأمريكية في الردّ علي هذا الموقف، فجاء وزير الخارجية كولن باول آنذاك الي سورية محملاً بجملة مطالب يتعين علي النظام فيها أن يلبيها.
وتتمثّل هذه المطالب في حلّ حزب البعث الحاكم ونشر الديمقراطية، ورفع اليد عن المقاومة في لبنان وفلسطين، ومنع تدفّق المقاتلين الي العراق والمساهمة في بناء دولة عراقية جديدة.
لم تردّ سورية علي المطالب، فاندفعت الولايات المتحدة الي معاقبتها، فقام الكونغرس باصدار ما يسمي قانون محاسبة سورية عام 2004، كما تم رفع الغطاء الأمريكي عن الوجود السوري في لبنان. فاضطرت سورية الي سحب جيشها من هناك بداية عام 2005. كما عملت الولايات المتحدة عن طريق وكلائها المحليين، علي زعزعة استقرار سورية والتعامل مع معارضيها. وقد ردَّت سورية علي هذا التضييق الأمريكي عليها، بتوثيق علاقاتها مع روسيا والصين، وقامت بعملية تحديث واسعة لجيشها ولأسلحتها الدفاعية والهجومية. وفي صيف عام 2006، دفعت الولايات المتحدة اسرائيل للقيام بهجوم علي لبنان بهدف احتلاله ومن ثم محاصرة سورية. ولكن هذا العدوان فشل بسبب صمود المقاومة في لبنان، فأصبح الموقف السوري قوياً، وأضحي الموقف الاسرائيلي والأمريكي الغربي ضعيفاً.
ولأن الولايات المتحدة لا تريد اعطاء فرصة لسورية ولا لغيرها من الدول العربية في التفوّق علي اسرائيل وتطويق مشروعها الصهيوني، وانهاء النفوذ الغربي المستمر في منطقتنا منذ انهيار الدول العثمانية عام 1918، كان لا بدّ من مواصلة الهجمة علي سورية بهدف حرفها عن مسارها أو تخريبها. ولذلك يتم اتهامها الآن بالسعي لامتلاك أسلحة نووية. والملفت أن الولايات المتحدة اتهمت كوريا الشمالية بمساعدة سورية في هذا المجال ولم تتهم ايران القريبة.
ولعلها فعلت ذلك لأن ايران لم يثبت حتي الآن أنها تحوز أسلحة نووية. أما كوريا الشمالية، فهي دولة نووية ولها علاقات قوية مع سورية منذ أيام الاتحاد السوفييتي السابق. ولا شك أن الاتهام الأمريكي لسورية بالسعي لامتلاك التقنية النووية، سوف يتصاعد في المستقبل أملاً من الولايات المتحدة في أن يقتنع مجلس الأمن الدولي فيعمل علي اصدار قرار لارسال لجان تفتيش علي الأسلحة في سورية. ومن ثم تتولي هي ادارة عمل هذه اللجان كما فعلت في العراق. ولكن هذه الرغبة الأمريكية بعيدة عن التحقق بسبب وجود روسيا والصين حليفتي سورية في مجلس الأمن.