ما زال الاعتداء الذي قامت به مقاتلات حربية إسرائيلية قبل خمسة أسابيع علي ما وصف بأهداف حيوية في شمال سورية بالقرب من حدود هذا البلد العربي مع تركيا، يشغل الدوائر السياسية والعسكرية والإعلامية في العالمين العربي والغربي.

وتمتنع إسرائيل حتي اليوم عن توفير معلومات وكذلك سورية التي أشارت إلي حقها في الرد اعترافا بحصول ما وصف بغارة عسكرية، الأمر الذي جعل المعلقين يفبركون الشائعات. ونقل عن دبلوماسيين غربيين أن إسرائيل أطلعت الإدارة الأمريكية علي سير العملية. إلي جانب إسرائيل تمتنع الولايات المتحدة أيضا عن الكشف عن معلومات.

واحدة من الشائعات الكثيرة أن الطائرات المعتدية أغارت علي مركز سوري إيراني للبحوث النووية يقع علي بعد أربعمائة كلم عن دمشق وشائعة أخري ذكرت أنه تم تفجير كميات من السلاح قيل أن إيران أرسلتها إلي سورية لتواصل طريقها إلي حزب الله في لبنان.

لكن هذه العملية إذا وقعت فعلا، فإنها تأتي في أجواء مشحونة منذ أن تردد عقب قيام إسرائيل بمناورات عسكرية في الجولان، عن وقوع مواجهة عسكرية مع سورية بعد عام علي خسارة إسرائيل حملتها العسكرية التي شنتها في صيف عام 2006 علي حزب الله في لبنان ومنذ ذلك الوقت تنخفض شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت باستمرار.

ويعود رواج الشائعات إلي صمت الحكومات الإسرائيلية والأمريكية والسورية وعدم وضوح حقيقة ما جري فجر يوم السادس من سبتمبر. ويقول تورستن شميتز مراسل صحيفة (زود دويتشه) الصادرة في مدينة ميونيخ أن السبب الرئيسي لهذا الغموض هو الحظر الصارم للمعلومات الذي فرضته وزارة الدفاع الإسرائيلية حول العملية.

وتعتبر إسرائيل من أكثر دول العالم التي تمارس الرقابة علي المعلومات وتمسك برقاب المراسلين الأجانب بشكل لا يفعله أحد بحجة الأمن. وقد ترك هذا الوضع المجال إلي أصحاب مواقع إسرائيلية علي الإنترنت ينسبون لأنفسهم صفة خبراء. يقول أحدهم إن طائرات حربية أمريكية شاركت في الهجوم علي سورية وهي الرواية التي لم يشر أحد بأهمية لها في واشنطن.

ورواية أخري قالت أن نحو نصف مليون مشارك في محطة التلفزيون الفضائية الإسرائيلية Yes يقيمون علي قرب من شمال سورية لاحظوا حصول عطل فني ربطه الخبراء مع وقوع العملية وانتشار إشعاعات نووية.

علي الرغم من ظهور شائعات كثيرة وروايات تكهن بها دبلوماسيون وإعلاميون إلا أن أحدا في تل أبيب أو واشنطن أو دمشق لم يعلق عليها، كما أن أصحاب الشائعات والروايات لم يتوصلوا إلي أدلة دامغة.

وانضمت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية إلي مروجي الشائعات وذكرت خلال عطلة نهاية الأسبوع أن الهجوم استهدف منشأة نووية أسفر عن تعطيلها. مضت الصحيفة تقول نقلا عن معلومات قالت إنها حصلت عليها من مسئولين حكوميين أمريكيين وأجانب لديهم إطلاع علي معلومات سرية أن هذه المنشأة من صنع كوريا الشمالية كان يجري إعدادها لإنتاج أسلحة نووية.

ويستفاد من مباركة واشنطن هذه العملية أن إسرائيل قامت علي الأرجح بإطلاعها علي أن سورية تعمل سرا في برنامج نووي وهذه أول مرة يجري فيها الإشارة إلي هذه التهمة رغم أن أي من أجهزة الاستخبارات الغربية خاصة الأمريكية اتهمت سورية بالعمل في برنامج نووي.

ويعتقد المراقبون أن الرواية الثانية التي تشير إلي مهاجمة مخزن أسلحة إيرانية كانت معدة للإرسال إلي حزب الله قد تكون حظيت باهتمام واشنطن ودول غربية أخري تتبني موقف إسرائيل حيال هذا الحزب.

وقالت الصحيفة الأمريكية أنه كان بوسع سورية إنتاج مادة البلوتونيوم الأساسية لصنع الأسلحة النووية. غير أن الصحيفة أشارت إلي عدم وجود بيانات حول المرحلة التي وصل إليها بناء المفاعل قبل الهجوم وما إذا حصلت سورية علي دعم من كوريا الشمالية وزعمت صحيفة (نيويورك تايمز) أن المنشأة كانت جاهزة للعمل في غضون سنوات قليلة.

ونسبت الصحيفة إلي مسئول حكومي إسرائيلي قوله إن إسرائيل أرادت من وراء العملية التأكيد علي موقفها عدم السماح لدولة مجاورة العمل في مشروع نووي حتي لو كان المشروع في مرحلته التحضيرية. وقال المسئول الإسرائيلي أن الهدف من الغارة استعادة المصداقية بقوة الردع الإسرائيلية.

لكن مسئولين أمريكيين أشاروا إلي رأيهم أن الهجوم عبارة عن إشارة من إسرائيل إلي إيران التي تقول إسرائيل أن برنامجها النووي بلغ مرحلة متقدمة وتشجع منذ وقت واشنطن وحلفاءها في أوروبا الغربية علي مهاجمة المنشآت النووية في إيران.

ويلاحظ المراقبون أن لهجة الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل زادت حدة عند التعليق علي البرنامج النووي الإيراني ويدعو كل منهما إلي تشديد العقوبات الاقتصادية علي الجمهورية الإسلامية. لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعارض النهج المتشدد مع إيران ويؤيد الحل الذي أيده الغرب عندما توصل إلي حل سلمي للنزاع النووي مع كوريا الشمالية.

وقالت صحيفة (زود دويتشه) الألمانية أن الأدلة المزعومة التي قدمتها الاستخبارات الإسرائيلية إلي واشنطن لتبرر الاعتداء علي سورية، أدت إلي جدل حاد داخل إدارة الرئيس جورج دبليو بوش في الصيف المنصرم. وذكرت الصحيفة نقلا عن مصادر أمريكية وقوع خلاف بين معسكرين: وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس وزميلها وزير الدفاع روبرت جيتس من جهة، وريتشارد تشيني نائب الرئيس الأمريكي في المعسكر الآخر.

تشير تلك المصادر إلي أن رايس عبرت عن رأيها بضرورة التفاوض مع سورية مثلما تفاوضت واشنطن مع كوريا الشمالية. وأشارت إلي قلقها من أن تنعكس نتائج الغارة الإسرائيلية علي عملية السلام في الشرق الأوسط وتسبب مشكلات للمصداقية الأمريكية زيادة علي ما عليه بعد غزو العراق عام 2003. لكن تشيني في المقابل دعا إلي اتباع سياسة متشددة تجاه سورية.

وزعمت المحطة التلفزيونية الأمريكية ABC أن إسرائيل أرادت مهاجمة المنشأة النووية السورية يوم 14 يوليو، لكن الإدارة الأمريكية استطاعت إقناع الإسرائيليين بتأجيل التنفيذ. لكن الحكومة الإسرائيلية زعمت أنها تخشي تسرب معلومات عن الهجوم وبالتالي افتضاح أمرها لذلك سارعت إلي القيام بالغارة الجوية. لكن هل هاجمت الطائرات الحربية الإسرائيلية أهدافا حيوية تصفها تل أبيب بأنها خطرة علي أمنها؟.

جون بايك الخبير الأمريكي في معهد الأمن العالمي Globalsecurity.org وهذا مركز بحوث مستقل لقضايا الدفاع يقول إن إسرائيل بالغت في المعلومات التي قدمتها للأمريكيين للحصول علي موافقتهم علي عمل عسكري ضد سورية.

وأشار إلي أنه ليس سرا وجود مركز بحوث صغير في سورية حصلت عليه من الصين. أضاف بايك أن سورية لديها طموحات في الحصول علي ترسانة سلاح للردع وقال إنه يجد صعوبة بالغة في التصديق أن مركز البحوث الصغير قادر علي إنتاج أسلحة نووية وأنه يشكل خطرا علي أمن إسرائيل.

استنادا لمعلومات نشرتها صحيفة (صنداي تايمز) اللندنية وأخري حصل عليها الصحفي جيم هوجلاند وهو كاتب عمود في صحيفة (واشنطن بوست) قتل بفعل الغارة خبراء من كوريا الشمالية. وساهم نشر معلومات في بحر الأسبوع الماضي في إثراء الشائعات.

فقد ذكر الصحفي الإسرائيلي رون بن جشاي أنه استطاع دخول الأراضي السورية بجواز سفر دولة أوروبية وتمكن من الوصول إلي منطقة دير الزور التي يقع فيها مركز البحوث الذي أغارت عليه إسرائيل فجر السادس من سبتمبر.

وأوقفت الشرطة السورية بن جشاي خلال وجوده في المنطقة لكنه تمكن قبل ذلك من التقاط صورة لنفسه تظهر فيها شارة توضح الطريق إلي المركز. وقال إنه لم يلحظ وجود أثر لغارة جوية إسرائيلية علي المنطقة لكنه أشار إلي أنه شاهد حفر كبيرة في الأرض قد تكون وقعت بفعل الهجوم لكنه أوضح أن لم يلتقط صورا لهذه الحفر.

وقد سمحت الحكومة السورية إلي صحفيين أجنبيين زيارة المنطقة والتجول في المركز حيث أكد المسئولون علي أنه موجود في منطقة مدنية ثم أنه لغرض القيام بأبحاث سلمية. لكن صحيفة (زود دويتشه) الألمانية اتهمت سورية أيضا بفرض تعتيم علي المعلومات.

في مقابلة أدلي بها الرئيس بشار الأسد لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي قال إن الطائرات الحربية الإسرائيلية دمرت بعض المباني التي لم يعد الجيش السوري يستخدمها. لكن الرئيس السوري قال قبل أسبوع إن الدفاع الجوي السوري تصدي للطائرات المعادية وأجبرها علي العودة من حيث أتت قبل أن تتمكن من تنفيذ الهجوم.

مصادر
الراية (قطر)