الحرب المقبلة مع سوريا، اذا اندلعت، فستكون مختلفة عن كل الحروب التي شهدناها. صحيح أنه من المحتمل حصول معارك مدرعات ضد مدرعات في هضبة الجولان كما في الماضي، لكن هناك شك في أن تنحصر الحرب في الجبهة بعيداً عن المناطق المدنية.
اذا توسعت الحرب، كما هو متوقع بالفعل، وشملت الجبهة الداخلية أيضاً، فسيصبح مواطنو حيفا والخضيرة وتل أبيب هدفاً لصواريخ الجيش السوري. من يُرِدْ أن يتخيل ما الذي سيحدث في شوارع مدننا إذا اندلعت الحرب مع سوريا ووصلت الى مستوى توجيه الضربات إلى العمق الداخلي، ليس ملزماً التوجه بعيداً. الأربعة آلاف صاروخ التي أطلقها حزب الله في حرب لبنان الثانية وشلت حياة مليون مواطن في شمالي الدولة كانت عينة عن توجيه الضربات إلى العمق الإسرائيلي.
الجيش السوري يملك ألف صاروخ بالستي يراوح مداها بين 300 – 700 كيلومتر من طراز «سكاد سي» و«سكاد بي» و«سكاد دي»، وهي قادرة على تغطية كل نقطة في اسرائيل (المسافة بين جنوبي هضبة الجولان وتل ابيب تبلغ 150 كيلومتراً). الصواريخ السورية مزودة برؤوس كيميائية وقد جرت على ما يبدو تجارب أيضاً على المواد البيولوجية. يضاف الى كل ذلك صواريخ «اس.اس 21»، التي يعدّ مداها أقصر من البالستية (80 كيلومتراً) لكنها أكثر دقة. مطار رمات دافيد مثلاً موجود في مدى هذه الصواريخ. السوريون حصّنوا صواريخهم وأدخلوها في مرابض اسمنتية كعبرة مستفادة من حرب لبنان الثانية.
الأكثر إشكالية بالنسبة إلى الجيش الاسرائيلي هو ذلك المخزون الصاروخي الذي تملكه سوريا. في مواجهة آلاف الصواريخ من طراز 220 ميلليمتراً (مداها 70 كيلومتراً) و302 ملم (90 كيلومتراً) لا يملك الجيش الاسرائيلي رداً مثلما لم يكن لديه رد على آلاف صواريخ «الكاتيوشا» التي اطلقها حزب الله على اسرائيل. الى كل ذلك، نضيف العشرين ألف صاروخ الموجودة بحوزة حزب الله، والتي سيستخدمها على الأغلب اذا اندلعت الحرب. التعاون بين سوريا وحزب الله يتعزز منذ الحرب. سلاح الجو سيحاول ابادة الصواريخ البالستية وقواعد اطلاقها (عشرات من قواعد الصواريخ فقط)، لكنه سيقف عاجزاً أمام آلاف الصواريخ الصغيرة.
الجيش السوري تحول تدريجياً في العقد الأخير الى جيش أقل تدريعاً وتأليلاً وهو يرتكز بصورة متزايدة على قوات سلاح المشاة والكوماندو والأسلحة المضادة للدبابات. الفكرة من وراء هذا التغيير في تركيبة الجيش السوري هي ادارة حرب دفاعية في هضبة الجولان واستنزاف الجيش الاسرائيلي من خلال ذلك.
المقصود هو السماح للجيش الإسرائيلي بشن الهجوم وإدارة ما يسمونه «المعركة القريبة»، حيث تقوم القوات السورية بإرهاق واستنزاف القوات المهاجمة عبر استخدام الصواريخ المضادة للدبابات المحمولة على أكتاف سلاح المشاة، ومن بينها الاسلحة المتطورة مثل «متيس» و«كورنيت».
إضافة الى كل ذلك، نصب الجيش السوري على الجبهة عشرات آلاف الصواريخ الصغيرة من طراز «بي.إم – 21» التي يبلغ مداها 20 كيلومتراً. هذه الصواريخ قد تكلف الجيش الإسرائيلي ثمناً باهظاً جداً.
في السنوات الأخيرة، بُنيت في الهضبة السورية قرى كثيرة ومن بينها آلاف المنازل. اذا تقدم الجيش الإسرائيلي نحو دمشق فسيضطر إلى خوض المعارك في المناطق العمرانية. السكان سيُرحّلون من منازلهم فور اندلاع المعارك وسيدخل جنود الكوماندو السوريون مكانهم بانتظار الدبابات والمؤلّلات الاسرائيلية. القنوات المائية الكثيرة التي خصّصت لري المناطق الزراعية ستكون هي الأخرى عقبة أمام دبابات الجيش الإسرائيلي.
من هنا، يُظهر التعمق في كل سيناريو محتمل للحرب مع سوريا بأن الثمن الذي سيدفعه الجيش الاسرائيلي، وعلى الأغلب العمق المدني، سيكون باهظاً جداً. من فشل في الحرب ضد تنظيم عصابات يتضمن مئات من المقاتلين فقط، ملزم أن يتصرف بحذر كبير عندما يشن الحرب ضد جيش نظامي تعلم العبرة من حرب لبنان الثانية وينوي استغلال كل نقاط ضعف اسرائيل التي تكشّفت خلال هذه الحرب.