حل اللغز: الجماعة الاستخبارية الأميركية هي الداعية الخفية لصور القمر الصناعي للمفاعل الذري السوري الذي تعرض لهجوم إسرائيلي وهي صور التقطتها شركة ديجيتال غلوب قبل نحو شهر من هجوم سلاح الجو الإسرائيلي، كما كشفت جهة أميركية مختصة بتفاصيل القضية لصحيفة يديعوت احرونوت. كان القصد من الدعوة تمكين الإعلام من أن ينشر بعد الهجوم صورا ’دامغة’ لموقع الهجوم في سوريا.
في يوم الخميس الأخير سألنا هنا ما هي الجهة التي جهدت في استدعاء صور لمنطقة الهجوم قبل الهجوم، وكأنها تعلم ما الذي يوشك أن يحدث. تبين انه لسنين طويلة لم توثق بكيفية عالية كافية منطقة الهجوم في شرقي سوريا في أي واحد من الأقمار الاصطناعية التجارية، أي انه لم يوجد أي اهتمام بها. بيد انه وجدت في المدة الأخيرة جهة ما طلبت مرة بعد أخرى صورا مفصلة جدا للمنطقة المتحدث عنها واستدعت صورها.
صور أميركية لعمل إسرائيلي
يصعب في ظاهر الأمر أن ندرك لماذا يجب أن تشتري الاستخبارات الأميركية التي تمتلك أقمارا اصطناعية تجسسية ممتازة صور قمر اصطناعي تجاري، على نحو قد يثير الريبة في أن أحدا ما مهتم بالمنطقة التي حدث فيها القصف. بيد انه يبدو الآن انه لم تكن أبدا نية استدعاء الصور المتعلقة بجمع المعلومات، لأنه لم يكن متوقعا أن ينشر السوريون خاصة أمر الهجوم، ولان الولايات المتحدة كانت تنوي أن تتمسك بسياسة غموض، ولهذا وجدت حاجة إلى أن توجد سلفا الظروف التي يستطيع فيها الإعلام العمل ونبش الموضوع من غير أن يتم تزويده بصور أقمار اصطناعية من جهات عسكرية أيضا.
من اجل عدم إثارة الريبة توجهت الاستخبارات الأميركية إلى شركتي أقمار اصطناعية واستدعت كمية كبيرة من الصور من مناطق مختلفة - حتى كتلك غير المتصلة بالهجوم - بحيث انه إذا فحص أحد ما عن قائمة مستدعيات الصور، لن يخطر في باله انه يوجد اهتمام خاص بالموقع المحدد.
لم تعلم الولايات المتحدة وإسرائيل كما يبدو أن الحديث عن خطة ذرية سرية. مع ذلك يؤدي إلى تلخيص القضية إلى عدد من الاستنتاجات الايجابية جدا، والى عدد أقل ايجابية أيضا. قد يكون هجوم الأشباح دالا على فترة جديدة أنجح في عمل الجماعات الاستخبارية في خط مواجهة إيران ودول محور الشر. جاءت الوحدات الاستخبارية التصويرية والأخرى المختصة بالتنصت، والموساد وال سي.آي.ايه بمعلومات دقيقة. بينت إسرائيل للعالم أنها متمسكة ’بمبدأ بيغن’ (قصف المفاعل العراقي في 1981): لن تحتمل الدولة اليهودية تطوير سلاح قد تستعمله جاراتها في القضاء عليها وأوضحت مرة أخرى انه لا حواجز أمامها في هذا الموضوع.
2008 سنة مصيرية
في كل هذا معنى مهم لفهم احتمالات الاستقرار في الشرق الأوسط في السنين القريبة، في حين أن إيران خاصة هي الدولة الأشد قربا من تطوير سلاح ذري. يذكر الهجوم في سوريا مرة أخرى بالإمكانات التي تواجه القدس وهي إشارة واضحة لأوروبا: عندما لا تعملون، وتتركوننا بلا خيار، فإننا نرسل شباننا الممتازين. تستطيع إسرائيل أيضا أن تنظر بعين الرضا إلى التنديدات الضعيفة بالهجوم في الشرق الأوسط.
بيد أن الإيرانيين أيضا لهم انجازات لا تنبغي الاستهانة بها البتة: فحزب الله هو القوة السياسية والعسكرية الرئيسة في لبنان، وحماس تسيطر على غزة، وقوات إرهابية من الحرس الثوري تصيب الأميركيين إصابات شديدة في العراق وجعل الأسد نفسه متعلقا بطهران اقتصاديا وعسكريا.
سنة 2008 هي سنة مصيرية: فالخطة الذرية الإيرانية تبلغ مرحلة حاسمة، ويمكث في البيت الأبيض رئيس غير شعبي يلتزم عملا صارما على أساس تقسيم العالم إلى أخيار وأشرار. برهنت القدس على استعدادها للعمل بالقوة، وفي دمشق يمكث زعيم ما لا يزال يخاطر على أرضه بمخاطر شديدة. وفي الجو يحلق فشل الصيف الماضي إزاء حزب الله.
الوضع في المنطقة قابل للانفجار. كل شرارة صغيرة قد تشعل نارا كبيرة، وليس النجاح التكتيكي، المحدود، ضمانا لنجاح العملية العامة. ينبغي أن نتذكر ذلك عندما نبحث عن النجاح الإسرائيلي - الأميركي الحالي إزاء سوريا. إن المصالح المتناقضة جدا، إلى جانب عدم التجربة، وعدم العقلانية وضعف جميع القادة المشاركين، قد تفضي إلى اشتعال الوضع.