كشف أمس عن معطيات جديدة تُظهر وجود خلافات، بين إسرائيل والولايات المتحدة، في النظرة إلى أسلوب التعامل مع سوريا وإيران، مشيرة إلى أن الأميركيين نصحوا الإسرائيليين بضرورة التحضير للتعايش مع القنبلة النووية الإيرانية، بينما طالبت إسرائيل بصفقة تتنازل دمشق بموجبها عن حلفها مع طهران في مقابل إعادة سيطرتها على لبنان وتجريد حزب الله من سلاحه.
وأضافت الصحيفة، في تقرير مطوّل لمراسلها السياسي ألوف بن، المعروف بقربه من دوائر وزارة الخارجية الإسرائيلية، أنه «في الوقت الذي تظهر فيه إسرائيل والولايات المتحدة كتوأم سيامي في التصريحات والنيّات، ويكثر المسؤولون فيهما من الحديث عن تعزيز المعتدلين في الشرق الأوسط بوجه محور الشر، ويتعهدون بالتصدي للقنبلة النووية الإيرانية، إلا أن خلف الشعارات تظهر فوارق مهمة في التقديرات» المختلفة من الملفات الحساسة.
وأشار بن إلى أن «الحوار الاستراتيجي الذي أجراه معهد الأمن القومي في إسرائيل (جافي سابقاً)، والمجلس الأميركي للعلاقات الخارجية، نهاية الأسبوع الماضي في نيويورك»، أظهر أن «الأميركيين متحمسون للحوار مع إيران وعزل سوريا، في وقت يريد الإسرائيليون التحدث مع سوريا وضرب إيران عسكرياً». ورغم أن المشاركين في الحوار «عبّروا عن آرائهم الشخصية، لكن من الممكن القول إنها تعبّر عن المواقف السائدة في مؤسسات القرار في البلدين».
ونقل بن عن المشاركين في الحوار قولهم إن «لكل طرف مخاوفه المختلفة عن مخاوف الطرف الآخر. فبينما تخشى إسرائيل من السلاح النووي الإيراني وترى إمكان العمل على إيقافه من خلال الحظر الاقتصادي والتهديد بالقيام بعملية عسكرية، فإن الإدارة الأميركية لا تظهر تأثّراً بالملف النووي، وهي أكثر ارتداعاً عن استخدام القوة العسكرية، بعد الفشل (الذي منيت به) في العراق».
وينقل بن عن مسؤولين أميركيين شاركوا في الاجتماع قولهم إن «ليس لدى الولايات المتحدة أو إسرائيل خيار توجيه ضربة عسكرية لإيران، إذ إن قصف المنشآت النووية الإيرانية سيسبّب ارتفاع أسعار النفط، ويعزز التطرف في إيران، بينما سترد طهران بضرب الجنود الأميركيين في العراق وضرب المنشآت النفطية في الخليج وتفعيل الإرهاب في أميركا».
ويرى الأميركيون أيضاً أن «العام 2008 هو عام ميت، يتوجب خلاله انتظار نهاية ولاية (الرئيس جورج) بوش بهدوء، والاشتراط على طهران أن توقف برنامجها النووي قبل إجراء حوار معها، لكن من يتسلّم سدة الرئاسة في أميركا، وخصوصاً إذا كان من الحزب الديموقراطي، فلن يهتم بالشروط الموضوعة، وسيسارع إلى الحوار مع إيران».
ونقل بن عبارات سمعها المشاركون الإسرائيليون في الحوار الاستراتيجي بينهما، إذ قال الأميركيون إن «عليكم أن تتعايشوا مع إيران نووية، وسيبدو التهديد أقل وطأة في حال وجود سفارة أميركية» في طهران. ولدى ذكر الإسرائيليين «بأنهم يهددونا بالفناء»، أجاب الأميركيون بأنهم «سمعوا مثل هذه التهديدات في السابق من قبل السوفيات والصين»، مشيرين إلى أن الإسرائيليين «لا يزالون يعيشون قبل أربعين أو خمسين عاماً لجهة التفكير الاستراتيجي، وبدلاً من التباكي من المهم أن تتحدثوا عن وضع إجراءات أمنية للمرحلة التي تصبح فيها إيران نووية».
ولجهة الوضع مع سوريا، قال بن إن إسرائيل معنية «بإبعادها عن إيران من خلال إجراء حوار معها، في الوقت الذي تقدّر فيه أن الوقت مناسب بسبب ضعف سوريا وعزلتها»، مشيراً إلى أن «الإسرائيليين اقترحوا على الأميركيين إجراء صفقة: طهران مقابل لبنان، تتنازل بموجبها سوريا عن تحالفها مع طهران، في مقابل سيطرتها على بيروت وبموافقة أميركية، على أن تقوم أيضاً بتجريد حزب الله من سلاحه».
وكان الأميركيون غاضبين من الطرح الإسرائيلي، وشددوا على أن «الإسرائيليين لا يهمهم من يسيطر على لبنان، على عكس ما نراه نحن»، مشيرين إلى أن «الاستراتيجيين الإسرائيليين مؤيدون للمفاوضات مع سوريا، لكن السياسيين يفضلون المسار الفلسطيني، ومن المهم أن تعرفوا أن ثمن التسوية مع دمشق هو إعادة الجولان حتى شاطئ طبريا. وإلى أن توافقوا على دفع الثمن، فلا تشغلوا عقولنا بأوهام سياستكم الداخلية».
إلى ذلك، نقل المراسل العسكري للتلفزيون الإسرائيلي عن وجود دلائل متلاحقة لدى إسرائيل تشير إلى أن «المسار السوري هو المفتاح لإخراج سوريا من محور الشر، الذي من شأنه التأثير على المواجهة مع إيران وحزب الله، وهذا مطلب بدأ يتحول ليصبح مصلحة استراتيجية» إسرائيلية، وخصوصاً في ظل منافسة قائمة فعلياً بين رئيس الحكومة إيهود أولمرت ووزير الدفاع إيهود باراك. «فكل منهما يريد أن يسجل لمصلحته بأنه هو الذي سبق منافسه على المسار السوري».