المفاوضات الاسرائيلية - الفلسطينية فيها ما يكفي من التوتر والمشاكل الحقيقية والعراقيل الجدية، وبالتالي لا حاجة الى خلق مصاعب لا يفترضها الواقع. ومع ان السلطة الفلسطينية تؤدي دورها كدولة في شؤون معينة، لكنها ليست دولة. اما اسرائيل فهي دولة معترف بها دوليا. ولهذا السبب، تقضي خارطة الطريق في ان رؤية الدولتين - اسرائيل وفلسطين سيادية ومستقلة، تعيشان جنبا الى جنب بسلام وبأمن - لن تتحقق الا بعد الايفاء بالشروط المسبقة المتفق عليها، عندها فقط ستعترف اسرائيل وامم العالم بدولة فلسطين.
اعتراف فلسطيني بدولة اسرائيل ليس مطلوبا، ذلك ان الفلسطينيين سبق ان اعترفوا باسرائيل بمجرد موافقتهم على خارطة الطريق. فلماذا نمنحهم ورقة مساومة ليست في ايديهم؟!
طبيعة اسرائيل كدولة يهودية هو موضوع اسرائيلي داخلي صرف. القانون الاسرائيلي هو الذي حدد الصلة بين الديانة اليهودية، والقومية ودولة اسرائيل، وحدد بذلك الطبيعة اليهودية للدولة. كل من يعترف باسرائيل يقبل بها، وبالتالي يعترف باسرائيل كدولة يهودية هكذا عرفت اسرائيل نفسها وهكذا فقط يمكن الاعتراف بها.
لسنوات طويلة، طالبت اسرائيل الولايات المتحدة بقول صريح بان اسرائيل يحق لها ان ترفض عودة لاجئين فلسطينيين الى نطاقها، لكن بشكل تقليدي رفضت الولايات المتحدة قول ذلك صراحة، الا انها ومع الايام عادت واعلنت موافقتها واستجابت في التلميح علنا عن تأييدها لوجهة النظر الاسرائيلية، من خلال التصريح بحق اسرائيل في الوجود كدولة يهودية، اذ انه اذا سمح بعودة اللاجئين فسيختل التوازن الديموغرافي، وسيصبح اليهود اقلية، فتضيع طبيعتها اليهودية. تأييد اميركي في الحفاظ على الطبيعة اليهودية لاسرائيل معناه رفض حق العودة. عودة مليون لاجئ فلسطيني الى اسرائيل ليس امرا يمكن تصوره على الاطلاق، حتى لو لم يغير كون اليهود اغلبية في الدولة ولن يؤثر على الطبيعة اليهودية لاسرائيل. ورغم ذلك، لم يوافق الاميركيون على قول اكثر من ذلك.
ما ان قبلت اسرائيل خارطة الطريق ووافقت، حسب الشروط الواردة فيها، على اقامة دولة فلسطينية، حتى نشأ وضع سياسي جديد ومغاير تماما، ستقوم دولة فلسطينية، هي الوطن القومي للفلسطينيين في الشتات، وستسمح بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم الوطنية المعترف بها، وليس الى اسرائيل، مثل اللاجئين اليهود (وكان كثيرون كهؤلاء) مكانهم الوطن القومي اليهودي (اسرائيل).
هذا ال تماثل الجديد هو الذي اقنع، ضمن امور اخرى الادارة الأميركية في ان تدرج في كتاب الرئيس جورج بوش لرئيس الوزراء ارئيل شارون في ابريل 2004 قولا واضحا بشأن اعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين: ان حلا مناسبا لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين سيتوافر من خلال اقامة دولة فلسطينية وتوطينهم فيها وليس في دولة اسرائيل.
لاول مرة تعلن واشنطن بوضوح رأيها بأنه لا تنبغي اعادة لاجئين فلسطينيين الى اسرائيل. واذ لا تكون عودة للاجئين، فلا خطر على الطبيعة اليهودية لاسرائيل، وتبقى الحاجة للابقاء على تلك الصيغة التلميحية، والمصادقة عليها من قبل الفلسطينيين. كل شيء، بالطبع، شريطة ان تكون اسرائيل ردت بحزم كل مطلب فلسطيني لعودة اللاجئين وحرصت على فرض التعهد الاميركي بتأييد موقفها في هذا الموضوع.