سياسيون أجانب يلتقون مع رئيس الوزراء يأخذون الانطباع بأن أيهود اولمرت استوعب فكرة أن التسوية مع الفلسطينيين هي مصلحة إسرائيلية من الدرجة الأولى.
نشطاء السلام الإسرائيليون يخرجون من منزله بانطباع بأنه لو لم يكن متعلقا بفرع الليكود الكبير في كديما وبشركاء مثل افيغدور ليبرمان وايلي يشاي، لكان اولمرت يعود من انابوليس مع إطار لاتفاق سلام. وحتى مناصرو رابين من حزب العمل، بمن فيهم الرئيس شمعون بيرس، لا يخرجون عن طورهم كي يساعدوه. احد تلك اللقاءات أنتج إعلان تأييد مثير للانطباع لرئيس الوزراء، نشر أمس في ’هآرتس’ من قبل ’المجلس لمبادرات السلام’.
كيف يستوي هذا مع مطلب أن تعترف منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل كدولة يهودية؟ بدلا من تجاوز العراقيل في الطريق إلى أنابوليس، سقط اولمرت في هذا المطب. فهل هو يؤمن حقا بأن محمود عباس يمكنه ويجب عليه أن يتخلى عن هذه الورقة قبل فتح المفاوضات على المواضيع الأساسية ’اللباب’؟ وإذا كان كذلك فهل رئيس الوزراء مستعد لان يعرض عليه انجازا مساويا في القيمة، أم أنه يتوقع أن يحصل على ذلك مقابل موافقة إسرائيلية على استئناف المفاوضات في المكان الذي فتحت فيه قبل أكثر من سبع سنوات؟
هذا يذكرنا بمطالبة سوريا بأن تتعهد مسبقا بقطع علاقتها مع إيران وطرد خالد مشعل من دمشق، مقابل الاستعداد للتفاوض معها، في ظل تشجيع الاستيطان اليهودي في هضبة الجولان.
لقد كتب البروفيسور يحزقيل درور مؤخرا بان شروط المفاوضات من نوع وقف دعم سوريا لمنظمات الإرهاب ليست مبررة إلا عندما يكون هناك أساس للتفكير بان الطرف الآخر سيستجيب للشرط، أو عندما تشجع المفاوضات دون تنفيذ الشرط نشاطا معاديا لإسرائيل. وفي ظل غياب تأكيدات على مثل هذه الآراء، من الأفضل عدم وضع شروط مسبقة، بل توجيه المفاوضات نفسها نحو تنفيذ الشروط أو كبديل الشروع في مفاوضات بأشكال غير رسمية.
بإمعان التحليل في الاستعدادات لمؤتمر أنابوليس، يتضح أن القرار بتسلق الشجرة العالية للاعتراف الفلسطيني بدولة يهودية كشرط مسبق للمفاوضات، اتخذ بذات التسرع الذي قرر فيه اولمرت وحكومته العملية العسكرية الواسعة في لبنان. فهم لم يطلبوا تقديرات بشأن الفرص في أن يستجيب الفلسطينيون لهذا المطلب، ولو حتى بثمن فشل المؤتمر. فقد امتشق الطلب دون أي بحث في سياق آثار الفشل على مدى حياة المعسكر الفلسطيني الذي يؤيد حل الدولتين.
لقد سبق لخالد مشعل أن أعلن بأنه في الوقت الذي سيتناول فيه الزعماء العرب المعتدلون طعامهم على طاولة جورج بوش، ستذكر حماس المسلمين بأطفال غزة الذي يعيشون على الخبز والماء. ماذا سيحصل بعد شهر، أو شهرين، عندما سيتبين أن ليبرمان ويشاي يقصدان ما يهددان به؟ هل اولمرت يأخذ بالحسبان إمكانية أنه إذا ما انصرفت الحكومة عن المفاوضات، أو حلت في ذروتها، ستتلقى إسرائيل ضربتين قاسيتين؟ فهي ستفقد الشريك الفلسطيني، ربما الأخير، لتسوية الدولتين بل وستعرض كمن ليست شريكا لاتفاق سلام، يقوم على أساس الإجماع الدولي ومبادئ مبادرة السلام العربية.
إن فتح مفاوضات سياسية، مثل شن الحرب، ليس لعبة أطفال. وفي الصلة بتشخيص للحرب، د. كلاوزفتس قال إن الحرب ليست سوى استمرار للحرب بأشكال أخرى، ففشل السياسة من شأنه أن يؤدي إلى حرب بأشكال أخرى. ومثلما عندما يدخل للحرب ، فان على الزعيم قبل أن يدخل إلى مسيرة سياسية، ملزم بأن يخطط مسبقا الخروج منها. إذا لم يكن اولمرت يؤمن بقوته السياسية في تحقيق خطوة محملة بالمصائر، على مستويات بن غوريونية، على حد تعبيره - فينبغي له أن يكون مستعدا لان يسير في اقرب وقت ممكن إلى الشعب ويطلب إليه أن يقرر في أي دولة يرغب العيش.