لعبت أنقرة وتلعب دورا مباشرا وغير مباشر ومهم في مجمل أحداث المنطقة منذ أن استلم حزب العدالة والتنمية السلطة في نوفمبر 2002 وبشكل خاص بعد أن رفض البرلمان التركي نشر القوات الاميركية في تركيا بداية مارس 2003 أي ابان الحرب الاميركية على العراق. وكان لهذا الدور نتائج مهمة دعمت الدور نفسه حيث أنتخب البروفسور التركي أكمل الدين احسان أوغلو عام 2004 أمينا عاما لمنظمة المؤتمر الأسلامي فيما دعي رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان لأول مرة الى القمة العربية في الخرطوم ومرة أخرى الى قمة الرياض في مارس الماضي. كما شارك عبدالله جول كوزير للخارجية في اجتماعات الجامعة العربية في القاهرة هذا العام بعد أن زار هو ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان جميع الدول العربية التي زار غالبية زعمائها أنقرة خلال السنوات الأربع الماضية. وكان من أهم هؤلاء السوري بشار الأسد والعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز حيث كانا أول زعيمين لبلديهما زارا تركيا منذ الأستقلال. في الوقت الذي تستعد فيه أنقرة الان لاستضافة الرئيس علي عبدالله صالح ليكون أول رئيس يمني يزور تركيا قبل نهاية العام الجاري الذي قد يشهد زيارة مفاجئة للسلطان قابوس سلطان عمان ليكون أول زعيم عماني يزور تركيا أيضا.
تحرك أردوغان
وكانت هذه المعطيات كافية دائما بالنسبة لرئيس الوزراء أردوغان لتحمل مسؤوليات أكبر في المنطقة حيث لم يتردد في الدفاع عن حق ايران في امتلاك السلاح النووي لأغراض سلمية وتوجيه أنتقادات صريحة لاسرائيل لامتلاكها السلاح النووي أو لحفرياتها في القدس أو لاغتيال الشيخ أحمد ياسين. كما دافع أردوغان أكثر من مرة عن الرئيس السوري بشار الأسد أمام جميع المسؤولين الاميركيين حتى داخل البيت الأبيض ليقول لهم ان الأسد صادق في مساعيه ورغبته من أجل السلام مع اسرائيل.
وهو ما أكد عليه أردوغان خلال حديثه مع الرئيس الاسرائيلي خلال زيارته الأخيرة الى أنقرة بداية الشهر الجاري، مؤكدا أيضا على ضرورة مشاركة سوريا في مؤتمر أنابوليس.فيما قال الرئيس عبدالله جول أن المؤتمر من دون سوريا لن يحقق أهدافه، طالما أنه لن يتناول مجمل القضايا في المنطقة وسوريا طرف مهم فيه. وكان لهذا الموقف التركي على الصعيدين الاسرائيلي والاميركي تأثير مباشر على واشنطن التي وعت أهمية تركيا في المنطقة وقيل انها اتفقت مع أردوغان على ضرورة اقناع دمشق بضرورة المشاركة في المؤتمر. حيث تحدث أردوغان مع الرئيس بشار الأسد هاتفيا الأسبوع الماضي وأقنعه بضرورة المشاركة حتى تثبت سوريا رغبتها الصادقة في السلام. وقالت مصادر دبلوماسية أن الحديث الهاتفي هذا لعب دورا أساسيا في قرار دمشق بالمشاركة في المؤتمر، خاصة بعد أن تحدث أردوغان للرئيس الايراني أحمدي نجاد أيضا في هذا الاتجاه مقنعا اياه بضرورة سد الطريق على الأطراف الأخرى التي ستسعى لأظهار سوريا وايران كدوليتن معارضتين للسلام وحتى لو كان هشا وضعيفا بسبب مواقف اسرائيل المعروفة.
الحاجة إلى واشنطن
الا ان أن أنقرة ليست في وارد ان تعتمد على دمشق وطهران فقط في تحركاتها الاقليمية التي تسعى من خلالها لحماية مصالحها الوطنية والقومية والاستراتيجية أيضا. بل انها مازالت بحاجة لواشنطن كما هي بحاجة لدعم اللوبي اليهودي في اميركا التي لا تخفي ومعها تل أبيب عدم ارتياحهما للتودد التركي على سوريا وايران على الرغم من حرص حكومة أردوغان على اقامة وتطوير علاقات واسعة وصادقة مع جميع دول المنطقة في محاولة منها الا تكون طرفا في الخلافات العربية- العربية أو الفلسطينية - الفلسطينية أو العربية - الفارسية. وكان موقف أردوغان هذا كافيا لكسب المزيد من التأييد السياسي والأعلامي والشعبي في العالمين العربي والاسلامي وهو ما شجعه لتحمل المزيد من الأدوار في المنطقة. وهذا ما يفسر اعلان أردوغان مشاركة بلاده في مؤتمر أنابوليس ايمانا منه بأهمية وثقل تركيا كدولة اقليمية ودولية لها علاقات مع اميركا واسرائيل وأوروبا التي تدعم هذا المؤتمر. ويعرف أردوغان وقادة العدالة والتنمية أنه لا ولن يتحقق أي شيء طالما استمرت سياسات تل أبيب الرافضة للسلام.
حيث سبق للقادة الاسرائيليين أن رفضوا العديد من اقتراحات الوساطة التركيا بين تل أبيب وكل من سوريا ولبنان والفلسطينيين. كما أفشل هؤلاء القادة محاولات تركيا جادة لانقاذ الجندي الاسرائيلي المختطف من قبل حماس بعد أن نجحت أنقرة في تحقيق تقدم مثير ومفاجئ في هذا الموضوع العام الماضي.
برامج وخطط
إن كل ذلك لا يعني أن الموقف التركي مرهون بالمعطيات الآنية للمنطقة.
فقط وضعت حكومة أردوغان برامج وخططا عديدة لمعالجة مشاكلها تكتيكيا واستراتيجيا، آخذة بعين الاعتبار كل التقلبات والتغيرات السياسية والاجتماعية دون اهمال احتمالات التدخلات الخارجية كما حدث في العراق وأفغانستان والصومال والهجوم الاسرائيلي على جنوب لبنان. وهذا ما يفسر استضافة تركيا للقاء عباس - بيريز الأخير وفي صيف 2005 لسيلفان شالوم مع نظيره الباكستاني قصوري.
هذا فضلا عن العديد من المؤتمرات الاقليمية والدولية المتعلقة بالمنطقة خاصة العراق القضية الرئيسية في الأجندة التركيا بسبب انعكاساتها المحتملة على الحسابات الوطنية والقومية لتركيا التي نجحت مؤخرا في معالجتها للقضية الكردية داخليا أيضا.