حققت سوريا انتصاراً- ولو مؤقتاً- بإجبار إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية على المطلب السورى إدراج موضوع الجولان السورى المحتل من قبل إسرائيل على جدول أعمال مؤتمر أنابوليس، بعد تراجعهما قبل ذلك عن الموقف الرافض دعوة سوريا إلى المؤتمر.
وهل أن التقارب مع سوريا من جانب بعض الدول العربية كما عكسته القمة الأردنية- السورية الأخيرة المفاجئة هو انعكاس لتوجه عربى مختلف عن السابق من جانب الدول العربية المعتدلة الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية فى المنطقة تجاه سوريا له أهداف إستراتيجية بعيدة المدى، أم هو مجرد تكتيك ظرفى يهدف إلى منع سوريا من عرقلة انعقاد المؤتمر؟
وهل ستنجح المساعى العربية والأوروبية فى الالتفاف على المعارضة الإيرانية الواضحة لمؤتمر أنابوليس الذى كما وصفه الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد يهدف إلى "ربط العرب بالكيان الصهيوني"، وذلك عبر اقناع سوريا بأن مصلحتها تقتضى غير ذلك؟
كل ذلك يظهر أمراً أساسياً ليتحول مؤتمر أنابوليس من مجرد إطار لفتح الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين بشأن التسوية النهائية للنزاع بينهما إلى ما هو أوسع وأكبر من ذلك بكثير، فى حال نجحت المساعى فى تأمين مشاركة عربية عالية المستوى تضم دولاً عربية أساسية مثل السعودية ومصر وأيضا سوريا. وهنا للمرة الأولى يستطيع الزعماء العرب اختبار ما يردده المسؤولون السوريون بأن سوريا ليست جزءاً من المشكلة وانما هى جزء من الحل أيضاً.
وسواء شاء الأمريكيون أو الإسرائيليون أم أبوا فقد أتاح التحضير العربى لمؤتمر أنابوليس نشوء دينامية عربية جديدة تجاه سوريا.
وإذا كانت التحضيرات لمؤتمر أنابوليس حفزت مسارات سياسية على الصعيد العربي، فإنها لم تنجح حتى الآن فى تبديد الشكوك والمخاوف الكثيرة من احتمالات فشل المؤتمر.
ورغم الحملة الرسمية التى تخوضها الأجهزة الإسرائيلية الرسمية من أجل تسويق أفكارها إلى المؤتمر أو المقالات الصحافية من انتماءات مختلفة وكلها تصور اعتراف الفلسطينيين "بيهودية" دولة إسرائيل كأهم إنجاز سياسى للدولة العبرية لأن معناه وأد حق العودة للاجئين ودفنه إلى الأبد؛ ما زال عدد كبير من الإسرائيليين غير مقتنع بأن أولمرت وطاقمه قادرون على القيام بالمهمة.
ففى رأى عدد من المعلقين المعروفين بتحفظهم أن تسرّع أولمرت فى طرح شرط الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل يشبه تسرّعه فى خوض حرب لبنان الصيف الماضي.
وهم يعتبرون التوقيع على اتفاق مع أبو مازن يشتمل على مخاطرة كبيرة نظراً لضعف التأييد الشعبى له والى التراجع الكبير فى مكانة منظمة التحرير الفلسطينية مقابل صعود نفوذ حركة "حماس".
ويذهبون إلى أبعد من ذلك فيرون أنه لولا وجود الجيش الإسرائيلى فى الضفة لكانت سقطت هى الأخرى تحت سيطرة "حماس"، وأن أى انسحاب قريب للجيش من المدن الفلسطينية فى الضفة سيعجل هذا السقوط، ناهيك بالتشكيك الكبير، حتى فى حال صمود السلطة الفلسطينية بزعامة عباس أن يتمكن الطرفان من تحقيق ما اتفقا عليه.
من هنا تبرز المساعى المبذولة لتأمين مشاركة عربية واسعة فى المؤتمر وتوسيع جدول أعماله بحيث تتضمن أيضاً مناقشة موضوع الجولان.
ويجرى حالياً السعى لمعرفة الكيفية التى يمكن من خلالها تحقيق ذلك فهل يدرج الجولان فى الجلسة الاستهلالية للمؤتمر أم يترك إلى الجلسة النهائية؟ حتى الآن لم يحسم الأمر ولكن، بعد المواقف التى عبّر عنها وزير الدفاع الإسرائيلى إيهود باراك الداعمة لمعاودة المفاوضات مع سوريا، وبعدما أتضح أن الفكرة تحظى بدعم قوى من المؤسسة العسكرية فى إسرائيل، ثمة احتمال اليوم أن يتحول المؤتمر إلى مناسبة لإعادة إحياء التسوية السلمية مع سوريا فى حال قبل الطرفان السورى والإسرائيلى بذلك بعد دفع الأثمان لهما.
على كل حال، هناك متابعون كثيرون يعتقدون بأن مؤتمر أنابوليس لن يكون قادراً فى السنة الأخيرة من عهد بوش المتداعى والضعيف والفاقد لصدقتيه داخل الولايات المتحدة وخارجها، ان ينجز تسوية سلمية فى المنطقة، وهو الذى تجاهل هذه المشكلة المعقدة طيلة سنوات حكمه، فيما كانت إدارة بوش منشغلة فى حروب خارجية من أفغانستان إلى العراق، أدّت ليس إلى إضعاف هذه الإدارة المتطرفة والسيئة السمعة فقط، بل إلى تحوّل كل الإدارة الأمريكية ورئيسها إلى "بطّة عرجاء" لا حول لها ولا قوّة.