لماذا يأتي السوريون إلى أنابوليس؟ لمح بوش بأنهم قد وصلوا إلى أن قصف الموقع في شمال سوريا قد جعلهم يتحققون من حالة الضعف التي يعانون منها. فضعف الخصوم العرب يشكل ميزة بالنسبة لنا ولكن التجربة علمتنا أنه لا يمنع اندلاع الحرب.
لقد تم إدراك المصريين باعتبارهم ضعفاء، وذلك حتى عبروا قناة السويس وفرضوا علينا الرعب وأجبرونا على أن نعيد سيناء إليهم. والفلسطينيون أيضاً عاجزون وبائسون، ولكنهم ظلوا يستخدمون القوة الصغيرة التي لديهم في عملية تعذيبنا وإثارتنا لعدة عقود.
سوف تتقلب سوريا بين إيران والغرب ولكنها لن تتخلى عن مصالحها في لبنان ومرتفعات الجولان. عاجلاً أم آجلاً سوف تحاول استعادة هذه الأراضي التي تفهم وتدرك بأنه تم انتزاعها منها. وبغض النظر عن تميز جيشنا بالقوة الكبيرة، فإن الصراع مع سوريا سوف يشكل ضربة وعبئاً كبيراً علينا وبالتالي سوف يكون من الأفضل أن نستفيد من ميزة ضعف السوريين، والتي هي ميزة يمكن أن تكون مؤقتة وطارئة، وذلك في عملية توقيع اتفاقية سلام.
نحن نعرف ثمن السلام وأن إسرائيل لا تعبأ بدفعه وأن الأسباب الداعية إلى ذلك من الممكن تبريرها وتجويزها. وفي غياب وجود الاتفاق فإن إيران سوف تعزز نفوذها وقوتها في سوريا وفي هذا الوقت يبدو أن الفرصة الوحيدة لقطع الروابط بين طهران ودمشق تكمن في إحداث التغيير الكامل في إيران. وحتى الآن لا يوجد من يخبرنا بمدى وكيف يمكن أن يحدث مثل هذا التغيير، كما أن إسرائيل لم تتوصل بعد إلى أي إستراتيجية بديلة.
إذا كنا غير راغبين في الانسحاب من الجولان، فما هو الشيء الآخر الذي يمكن أن نُغري به السوريين؟ إن هذا الإغراء هو لبنان، وتوجه إسرائيل الخاص إزاء جارها الشمالي الصغير قد تشكل قبل قيام الدولة اليهودية، وقد قام دبلوماسيو الحركة الصهيونية بإنشاء الروابط مع المسيحيين في بيروت وواظب مزارعو الجليل على علاقات جوار حسنة مع الشيعة بجنوب لبنان.
قبل أن نوقع اتفاقية السلام مع مصر كنا معتادين على القول بأنه لا شيء يخبرنا بمن يمكن أن يكون الأول في إقامة السلام معنا، ولكن البلد الثاني سوف يكون بالتأكيد لبنان، وقد بُنيت هذه العبارة على مقدمة منطقية تقوم على الافتراض بأن اللبنانيين ليسوا معادين لنا بل وينظرون إلينا كحلفاء سريين (غير معلنين). وبعد، فإن موقفهم أجبرهم على أن يتصرفوا بطريقة البلدان العربية الإسلامية، الأمر الذي أدى إلى دحض الافتراض.
* الهيمنة المسيحية سوف لن تستمر طويلاً:
لقد تم فصل لبنان عن سوريا بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية وكان إنشاء البلد بواسطة القوى الإمبريالية معناه التعبير عن الوحدة المسيحية في منطقة جبل لبنان والدستور الذي لا يوجد له أي نظير في العالم قد منح الموارنة المسيحيين حق السيطرة.
وعلى أية حال فإن الهجرة المستمرة واختلاف معدل المواليد قد أدت تدريجياً إلى تغيير نسب الجماعات الإثنية واليوم يمثل الشيعة الأغلبية. ومن الممكن أن نفترض بأنه خلال بضعة سنوات بأن دستور البلاد قد يعبر عن واقع التغيير الديموغرافي. فإما عن طريق قوة السلاح أو عن طريق قوة الأصوات الانتخابية فإن الشيعة اللبنانيين سوف يكملون استيلاءهم على لبنان.
في الوقت الحالي يتمتع لبنان برعاية البلدان الغربية ولكن هذا سوف يكون أمر يشابه عملية التنفس الصناعي. فالهيمنة المسيحية سوف تنتهي خلال بضعة أعوام. والسكان المسيحيون منقسمون ولا يرغبون في القتال حتى الموت من أجل استقلال وطنهم.
الأحياء المسيحية في بيروت تزدهر وتنمو وتنتعش بالاعتماد على قوة المال السعودي، لكن خلال بضعة أعوام سوف يكون هناك قوتان فقط بإمكانهما جعل الأمر صعباً بالنسبة لدمشق لكي تقوم بالاستيلاء على هذا الرصيد: إسرائيل وإيران. وفي هذه النقطة فإن إسرائيل وسوريا يمكن أن تكون لهما مصلحة مشتركة في منع استيلاء الإيرانيين على لبنان. في حالة إزالة الهيمنة المسيحية في لبنان فإن المصلحة الإسرائيلية القديمة المتعلقة بالإبقاء على لبنان مستقل سوف تبدل والبدائل الحقيقية هي إما "لبنان الإيراني" أو "لبنان السوري"، ونحن لا نعرف الثمن الذي ترغب سوريا في دفعه إزاء التزام سري بأن إسرائيل سوف لن تقوم بأي شيء لمنع عملية ضم لبنان إلى سوريا، سوى أن من المفيد أن ننظر إلى ذلك –الثمن قد يتمثل في رغبة السوريين في التخلي عن مطالباتهم في الجولان-.
انتهى مقال الكاتب الإسرائيلي يعرون لندون المنشور في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية.