سؤال واحد تردد على ألسنة اللبنانيين إثر أحداث الشغب في الضاحية الجنوبية : هل تتكرر الحرب الأهلية ( 1975- 1990 ) ؟ في الظاهر شكلت أحداث كانون الثاني / يناير 2007 إنذاراً مبكراً وأحداث كانون الثاني / يناير 2008 "الأنذار الأخير" خصوصاً أنها وقعت على خط التماس التاريخي والرمزي خلال الحرب الأهلية بين منطقة الشياح ذات الغالبية الشيعية ومنطقة عين الرمانة ذات الغالبية المسيحية . في المضمون تعكس الأحداث الأخيرة وصول الأزمة السياسية إلى لحظات الإحتقان القصوى وتهدد بالخروج من كل الأطر والضوابط ، بحيث لم تعد تكفي تأكيدات الأطراف أنهم لن يلجأوا إلى السلاح، خصوصاً أن أحداث الشغب تتزامن مع جرائم إغتيال تطاول سياسيين وقادة أمنيين. وتضع هذه التطورات الخطيرة الحكومة اللبنانية في موقع حرج، خصوصا أنها تعاني عدم مشاركة ممثلي الطائفة الشيعية فيها ، ومع الحكومة قوى 14 آذار/ مارس التي يمكن أن تواجه في المستقبل تحركاً قوياً في الشارع ضدها ، وكذلك قوى 8 آذار/ مارس التي بات عليها أن تتحسب جيداً قبل تكرار التهديد بالنزول إلى الشارع سواء تحت شعارات مطلبية معيشية أو نقابية أو سياسية، بعدما شاهدت مع بقية اللبنانيين نموذجاً من نتائج النزول إلى الشارع.
كذلك تفرض هذه التطورات العنفية على قيادة الجيش اللبناني تحديين أساسيين:تحدي الفصل بين الدور الأمني والأزمة السياسية في ظل الصفة المزدوجة "العسكرية والسياسية" للعماد ميشال سليمان كقائد للجيش ومرشح للرئاسة وتحدي الاستمرار في ما نجح به الجيش منذ عام ٢٠٠٥ في ان يكون على مسافة واحدة من طرقي الصراع وفي منأى عن الصراعات والتجاذبات السياسية، وفي ان يحظى بثقة كل الأطراف.
أما في ما يتعلق ب"حزب الله" فمن المفارقات ان يحصل الصدام الأخطر بين متظاهرين والجيش أمام كنيسة مار مخايل في الشياح التي شهدت توقيع "وثيقة التفاهم" الذي تحوّل تحالفاً بين الحزب و"التيار العوني" فباتت هذه الكنيسة تتمتع برمزية سياسية ووطنية، وكذلك تخرج الاحتكاكات عن السياق المطلبي لتأخذ أشكالا طائفية ومناطقية في أول اختراق لواقع الهدوء في "مناطق التماس" السابقة وفي أول جنوح للفتنة خارج دائرتها الأساسية "الشيعية- السنية".
ومن هذه الزاوية يسجل "الموقع الصعب " الذي يقف فيه تيالر الجنرال النائب ميشال عون لالتزامه التحالف مع " حزب الله" وحركة "أمل" في معركة سياسية عنوانها المشاركة، ويظهر من جهة حساسية مفرطة حيال أحداث الشغب والفوضى اذا كانت ستتخذ أشكالا لا يرغب فيها كما حدث عندما تطورت الأحد في اتجاهين غير محسوبين، هما الجيش اللبناني ومنطقة عين الرمانة.
لكن "الحرب الأهلية" التي يتخوف منها اللبنانيون كثيراً لن تقع على الأرجح ، أولاً لأن أي فريق يدرك أنه لن يربح فيها ، وثانياً لإدراك الجميع أنها بلا أفق وقد تنقلب في سرعة على من ينجر إليها إذا اغتر بقوته فتشكل فرصة لضربه، وثالثاً لأن الأطراف في لبنان ليسوا متروكين إلى هذا الحد . فمنذ أعوام يدير المجتمع الدولي هذه البلاد ، ويلزم هذا الدور إذا اقتضى الأمر لجامعة الدول العربية، وقد باتت للعالم مع لبنان خبرة مديدة تجعله يتجه إلى محركي المجموعات السياسية- الطائفية في الخارج للحؤول دون انفجار التعقيدات فيه عنفياً. وقد يكون اللبنانيون أمام "المفاصلات الأخيرة " حول البيع والشراء قبل إتمام التسوية، فتكون الأحداث الأخيرة محرد محاولات "لرفع الأسعار".