لماذا تبدو القمة العربية المقررة في دمشق الشهر المقبل على شفير هاوية سحيقة؟ لأنها، من أسف، تتأرجح بالفعل على حافة هذه الهاوية.
الأسباب العلنية التي توردها الأطراف المتنازعة، معظمها لبنانية الدمغة. “لا قمة عربية من دون رئيس لبناني”، هكذا هدّد مؤخراً سعد الحريري. “لا مشاركة للملك السعودي عبدالله والرئيس المصري مبارك في القمة، إذا لم تطبق المبادرة العربية حيال لبنان بحذافيرها”، هكذا حذّر دبلوماسي رفيع في الرياض.
وإذا ما غاب الملك والرئيس، سيغيب معهما ليس لبنان فقط، بل أيضاً العديد من الدول القريبة من المحور المصري السعودي، سواء في شكل مقاطعة كاملة، أو عبر إيفاد وفد خفيض يحمل معنى المقاطعة أكثر من المشاركة.
لكن، هل لبنان هو حقاً “عقدة المنشار” الرئيسية في حلقوم القمة التي يعلّق عليها البعض آمالاً لوقف الصراعات العربية العربية الراهنة؟
الأزمة اللبنانية موجودة وفاعلة، منذ ان اتهمت الرياض دمشق بشيء من المسؤولية لاغتيال رجلها الأول في لبنان رفيق الحريري، ومنذ أن اتهمت دمشق الرياض بالسكوت (إن لم يكن أكثر) عن قرار بوش شيراك العام 2004 بإخراجها من لبنان. بيد أن هذا الخلاف ليس هو العقدة الرئيسية، ولو كان الأمر كذلك، لوجد هذان الحليفان التاريخيان منذ العام ،1970 ألف باب للولوج إلى بلاط التسويات والحلول الوسط.
الجوهر الحقيقي للخلافات يكمن في ما سمته كوندوليزا رايس العام 2005 “الاصطفاف الاستراتيجي الجديد” في الشرق الأوسط. محور هذا الاصطفاف هو بالطبع إيران، وليس لبنان. هو الصراع الكبير حول الادوار الإقليمية ومناطق النفوذ بين إيران وأمريكا في مثلث الخليج قزوين الهلال الخصيب، ولهذا تحاول واشنطن دفع “إسرائيل” الى تبني معظم بنود المبادرة السلمية لقمة بيروت العربية العام 2002.
وإذا ما حدث ذلك، أي إذا ما قفزت “إسرائيل” إلى قمرة المبادرة العربية، سيكون الشرق الأوسط ليس فقط امام اصطفاف جديد، بل أيضاً أمام استقطاب جديد لا يكون فيه الصراع العربي “الإسرائيلي” هو السبب والنتيجة، كما كان الأمر منذ العام 1948.
موقع سوريا في هذه التحولات الاستراتيجية بالغ الأهمية، فهي واسطة العقد لأي تحالف إقليمي دولي كبير. من يربح سوريا يربح كل شيء. ومن يخسرها يجد مواقعه ضعيفة أو مضعضة في الكثير من المجالات.
القمة العربية الدمشقية ستنعقد في إطار هذه العوامل المعقّدة، حتى لو تم تعليق أو تجميد الأزمة اللبنانية الراهنة، مثلاً عبر انتخاب مفاجئ للعماد سليمان كرئيس للجمهورية، سيبقى موقع الدور السوري بين ضفتي هذا الاصطفاف هو القضية الصراعية الأهم.
القمة العربية على مفترق خطر؟
أجل، والمنطقة برمتها أيضاً