نشر معطيات الاحصاء الذي اجراه مكتب الاحصاء المركزي الفلسطيني التي تفيد بأن عدد سكان المناطق المحتلة قد وصل الى 3,8 مليون نسمة لم يحظ بصدى واسع في الاعلام الاسرائيلي. كل هذا رغم حقيقة ان المعطيات (مع المعطيات التي نشرها مكتب الاحصاء الاسرائيلي في بداية السنة) تشير الى ان عدد اليهود والعرب بين النهر والبحر يقترب من التعادل. ان خصمنا 200 الف فلسطيني في شرقي القدس الذين تم احصاءهم مرتين يصل عدد اليهود الى 5,4 مليون وعدد العرب الى 5,2 مليون (عرب اسرائيل والمناطق).
وفقا لهذه المعطيات التي تجسد "الانقلاب الديمغرافي" سيحقق العرب الاغلبية غربي نهر الاردن بعد عام او اثنين. كان من المفترض ان يؤدي هذا الحدث التاريخي الى تعليق من السياسيين والمحللين الذين يقومون بتضخيم "الخطر الديمغرافي" دائماً والذي يهدد وجود الدولة اليهودية الصهيونية وفقاً لوجهة نظرهم.
وفقاً لهذه المعطيات والنظره المترتبة سيتحول اليهود الى اقلية في وطنهم. لذلك يعتبر الاحصاء دلالة مركزية في كل خطة سياسية تهدف الى "ازالة" العرب من المعادلة الديمغرافيه من "فك الارتباط" حتى "الانطواء" ومن "سلخ" تجمعات عربية في المثلث حتى "بتر" احياء نائية في شرقي القدس. على هذا النحو حسن الانسحاب من غزة التوازن الديمغرافي اذ طرح منها 1,5 مليون فلسطيني.
لذلك كان من المهم جداً فك الارتباط عن غزة وربطها بمصر - كل ذلك من اجل تعزيز الوهم بأن لا تنتمي للمعادلة اليهودية - الفلسطينية.
اوساط اليمين الاسرائيلية المعنية بازالة المبرر الديمغرافي لاخلاء اراضٍ فلسطينية تبذل جهوداً كثيره لزعزعة مصداقية المعطيات الفلسطينية. الفلسطينيون من جانبهم يساعدونهم في ذلك من خلال تصريحاتهم بأن مجرد اجراء الاحصاء هو "تجسيد للسيادة الفلسطينية". كما ان شكوكاً معينة تظهر في مصداقية المعطيات الفلسطينية لأن نتائج الاحصاء تماثل بصورة دقيقة جداً ما نشروه في عام 2004.
الجداول الاحصائية تفقد اهميتها العلمية الراسخة وتتحول الى اداة اضافية في الصراع حول الشرعية والرأي العام. كما ان اهميتها كوسيلة لكسب الدعم السياسي آخذة في التلاشي. "الخطر الديمغرافي" ونداءات التطوع لحرب الارحام - آخذه في التلاشي والضعف كلما اقترب موعد حدوثها. لا غرابة اذ إن هذا كان دائماً شعاراً كلاميا موجهاً للمستقبل وليس وضعاً حقيقياً يتوجب التعامل معه بصورة ملموسة.
الان عندما اخذ "الخطر" يتحقق او انه يوشك ان يتحقق قريباً يمكن رده من خلال المجادله حول مصداقية المعطيات او الكف كلياً عن التطرق اليها.
ناهيك عن انهم وجدوا طريقه ناجعة للانتصار على الديمغرافيا وهي: تفكيك الفلسطينيين الى مجموعات مشرذمة يسهل على اليهود المسيطرين ان يواجهوها. الاحصائيون والجغرافيون وحدهم - والسياسيون من يسار ويمين - هم الذين سيواصلون التعامل مع الفلسطينيين كوحدة واحدة. اما الباقون فيسلون انفسهم بوجود مجموعات فلسطينية مفرقه. مليون ونصف في غزة، 2,3 في الضفة و 1,2 مليون في اسرائيل. يتعاملون معهم وكأنهم شعوب مختلفة وليست جزءاً من الكتلة الانسانية الواحده المهدده والمخيفة.
لشدة الغرابة يقبل الفلسطينيون انفسهم هذا التحطيم الديمغرافي ويسهمون بذلك في الوهم بان الخطر الديمغرافي قد زال وها جاء لصهيون الخلاص. و11 مليون نسمه في البلاد الذي يحدد الشرخ الديمغرافي مجرى حياتهم يواصلون الابتهال لحدوث المعجزة.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)