القمة العربية المقبلة على الأبواب، فبعد أقل من شهر من الآن سوف تستضيف العاصمة السورية دمشق أعمال هذه القمة التي تتعرض إلى أقاويل وتشكيك في عدم انعقادها أو تأجيلها أو تغيير مكانها. فهناك من يدّعي بوجود مخاطر أمنية قد تمنع بعض القادة العرب من المشاركة في القمة إذا عقدت في دمشق جراء الاختراق الأمني المتمثل في اغتيال القائد العسكري لحزب الله عماد مغنية في إحدى ضواحي العاصمة. وهناك من يقول إن التوصل إلى تسوية للأزمة اللبنانية هو مفتاح الحل أو كلمة السر لعقد القمة في موعدها ومكانها وضمان نجاحها أيضاً. وبين هذا وذاك تسعى سوريا إلى إنجاح القمة التي سترتبط باسمها لمدة عام كامل وستتولى خلاله الرئاسة الدورية، ومن هنا تأمل الشعوب العربية أن يتجاوز القادة خلافاتهم والتوصل إلى رؤى قومية شاملة وليس الاكتفاء ببيانات جوفاء، وأن يكون القادة في قمتهم المقبلة على مستوى تطلعات الشعوب وعلى مستوى الأزمات التي تواجه العرب اليوم وأصبحت تهدد كيانهم ووجودهم بشكل شامل وحقيقي.
الأمر لم يعد يقتصر على القضية الفلسطينية بل كل بلادنا تقريباً أصبحت تعاني من المشكلات سواء الاقتصادية أو السياسية وهي قضايا متفجرة تحتاج إلى حلول حقيقية. وهذه الحلول ليست بإرضاء الخارج لأن إرضاءه ليس مضموناً وينقلب بتقلب الظروف والمعطيات، وإنما الحلول تكون بمواجهة مع الداخل والوقوف مع النفس وقفة صدق، والقيام بإصلاحات داخلية حقيقية على كل المستويات السياسية والاقتصادية التي تنقل البلاد العربية من مرحلة الضعف إلى موقع القوة وتكون نقلة حقيقية تصنع من الشعوب سنداً حقيقياً للأنظمة.
وبالإمكان إحداث هذه النقلة مثلما شعوب أخرى من النهوض وتجاوز كبواتها والتغلب على صعابها. فالمطلوب مشاريع حقيقية للنهضة تبعث الآمال في نفوس المواطنين وتدفعهم للعمل. ومشكلتنا أن شعوبنا فقدت الثقة في أنظمتها وفقدت البوصلة نحو المستقبل.
لذا المشكلة ليست في عقد القمة أو عدم عقدها ولكن المشكلة في ما ستخرج به هذه القمة وفي مدى فاعلية النتائج.
لا شك في أن غياب بعض الدول المؤثرة عن القمة سيزيدها ضعفاً وسيكون شكل العرب مزرياً، فأمامنا الاتحاد الأوروبي الذي تتوالى نجاحاته وقممه بلا مشكلات تذكر.
وبقدر هذه الآمال التي نتحدث عنها فإن قمة دمشق تواجه بعض المعوقات التي لا تبشر بالخير جراء معضلتي لبنان والعراق.
لبنانياً، لم ينجح عمرو موسى في تحقيق أي اختراق يدعو إلى التفاؤل بإمكان حل الأزمة اللبنانية رغم إبلاغه الطرفين (الأغلبية والمعارضة) بأن المبادرة العربية أمام فرصة أخيرة. والعقبات ظلت تتزايد أمام المبادرة وجولات الأمين العام للجامعة العربية. هذه العراقيل لم تحقق أبداً بل هي حاضرة في الواجهة باستمرار. فالأمين العام للجامعة لم يستطع تسجيل أي بوادر نجاح يبلغها لمجلس وزراء الخارجية العرب رغم لقاءاته المتعددة في بيروت والتي شملت كل الأطراف.
ربما كان موسى يأمل بقاء الأوضاع كما كانت عليها قبل جولاته الأخيرة لبيروت، فقد استغرب هو ذاته لجوء البعض إلى وضع شروط جديدة لا تمت مطلقاً الى روح المبادرة العربية.
وأمام كل هذه المعوقات لم يجد موسى غضاضة في تحذير كل الأطياف السياسية اللبنانية من أن نجاح القمة العربية في دمشق يتوقف على نجاح مهمته في بيروت، أي أن حل الأزمة السياسية اللبنانية يعد طلقة الأمل لتهيئة الأجواء لإنجاح قمة دمشق.
عراقياً، الأزمة هنا ليست أقل صعوبة من القضية اللبنانية في ظل استمرار الاحتلال الأمريكي وغياب الحلول السلمية وتهميش القوى الوطنية من المشاركة في الحكم وتعثر العملية السياسية، وزاد على الاحتلال الأمريكي اجتياح تركي للمناطق الكردية في شمال العراق.
فالعراق يعيش في ظل انقسام حاد سواء على مستوى شعبه أو على مستوى توزيع مناطق النفوذ فيه من منطلق المحاصصة الطائفية.
وفي النهاية ليس من المفترض أن يتم تعطيل عقد القمة أو تغيير مكانها بسبب الأزمة اللبنانية، فهي في الأساس مشكلة داخلية بين الأغلبية والمعارضة داخل الدولة الواحدة، استغلتها قوى إقليمية ودولية لتحقيق مصالح محددة.
ربما يدفع انعقاد القمة في دمشق نحو التوصل إلى حل للأزمة اللبنانية وعلى نحو يرضي جميع الأطراف. أما من يطالب بضرورة حل الأزمة اللبنانية كشرط لانعقاد القمة في دمشق فهو كمن يضع العربة أمام الحصان، ومن ثم قد تتعقد المشكلة أكثر وأكثر.