تتشابه مدينتا دمشق السورية وليفربول البريطانية باختيار كل منهما عاصمة للثقافة للعام 2008, فالأولى عاصمة للثقافة العربية والثانية عاصمة للثقافة الأوروبية، لكن مع اختلاف المقاييس والإمكانات.
فقد كان الاتحاد الأوروبي قد أطلق التظاهرة باختياره أثينا أول عاصمة ثقافية للعام 1985 لتشجيع المدن الأوروبية على تطوير الإبداع الثقافي, بينما تبنت جامعة الدول العربية فكرة العاصمة الثقافية عام 1996 عبر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (إليسكو).
لكن فيما تختار الدول العربية العاصمة الثقافية مسبقا, فإن المدن الأوروبية تختار على أساس منافسة تشمل تقديم مشروع متكامل مع موازنة جاهزة وبناء على أهميته ترشحها بغض النظر عن كون المدن الفائزة عواصم لبلدانها أم لا.
سنوات تحضير
تسابقت ليفربول مع 11 مدينة بريطانية وبدأت الإعداد منذ تقديم طلب الترشيح, وبعد فوزها في 2003 بدأت فعليا برنامجا سنويا ممتدا إلى 2010, وكان هذا سابقة كما يقول مايكل دوران مسؤول الإعلام في الفعالية.
من جهتها تقول الأمينة العامة لاحتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية حنان قصاب حسن إن التحضير المسبق يمنح المنظمين في أوروبا راحة أكبر عكس الدول العربية.
وتضيف "الاختيار المسبق للعواصم العربية يجعلنا كمنظمين نعاني من صعوبات عدة, فلا نستطيع تقديم مشاريع دون مصادر تمويل حاضرة, ونضطر لتوفيرها بأسرع وقت, يتطلب أيضا تشكيل المجالس الإدارية والاستشارية للأمانة العامة".
ويبدو تفوق التنظيم الأوروبي حاضرا, فشركة ليفربول للثقافة راعية المهرجان الثقافي أنشأها المجلس البلدي بميزانية 104 ملايين جنيه إسترليني منذ العام 2000, وتعاونت -كما يقول دوران- مع كل المنظمات الثقافية الكبرى في المدينة ليكون البرنامج جاهزا في 2008.
وفيما ازدهت ليفربول بأجمل حلة بعد أن طورت معارضها الثقافية ومتاحفها, ونسقت مع بلديتها لتنظيم مظاهر المدينة من طرق وأرصفة, بدت شوارع وأرصفة دمشق ورشة أعمال لم تنته, طغى عليها تلوث أثار استياء عاما, اعتبرته قصاب حسن مسؤولية تتحملها كاملة محافظة المدينة.
تعاون واتصالات
من جهة أخرى تعاونت ليفربول مع فعالية دمشق وتواصلت مع أمينتها العامة قصاب حسن التي زارت المدينة البريطانية لعقد مشاريع مشتركة. وتنفي قصاب حسن أن تكون الاحتفاليات العربية استنساخا لا يرتقي للتجربة الأوروبية "فلنا خصوصيتنا التي تميزنا".
وتبدو الفعاليات الأوروبية في دمشق حاضرة بقوة, لكنها ليست كثيفة مقارنة بالفعاليات العربية, كما تقول الأمينة العامة التي تشيد برغبة السفارات الأجنبية في المشاركة باحتفالية دمشق. وتضيف "دمشق ستتميز عن بقية العواصم العربية ببرنامج يشمل ثقافات العالم الأجنبي لا العربي فحسب رغم التوازن الذي حرصنا عليه".
توازن منشود
في المقابل يختلف مشهد ليفربول من حيث متابعة الفعاليات الثقافية العربية، فهي قليلة, وتتمثل في مهرجان وحيد للفنون العربية في يوليو/ تموز, كما يقول دوران الذي يبدو عدم تمييزه بين البلدان العربية والإسلامية واضحا عندما يقدم الراقص البريطاني باكستاني المولد أكرم خان -المشارك في فعاليات دمشق أيضا- عربيا مشاركا في مهرجان ليفربول.
ويضيف دوران أنه تتنوع أنشطة ليفربول بين فن تشكيلي وموسيقى, بمشاركة نجم فرقة البيتلز بول مكارتني, إضافة لمسرحيات لشكسبير وعروض بعنوان عصر البخار تتضمن أعمالا لهوبر وموني وفان غوخ, في تظاهرات 70% منها مجانية.
دعاية إعلانية كبيرة في ليفربول عاصمة الثقافة الأوروبية هذا العام (الجزيرة نت)
أما قصاب حسن فتقول إن دمشق سباقة في العروض المجانية باستثناءات قليلة كعروض فيروز التي خصص ريعها لمشروع ثقافي.
وتلفت النظر إلى اهتمام الفعالية بالنشاطات الإبداعية في المسرح والموسيقى والفن التشكيلي, وترجمة أعمال سورية للغات أجنبية لتعريف العالم بأدب سوري منتقى بعناية وتوازن.
شارعان
يرحب سكان المدينتين بالتظاهرة "فجميل أن يحتفل المرء بالثقافة في مدينة يسكنها" تقول هند السورية المقيمة في ليفربول, لكنها تضيف أن "الشعور أجمل عندما تحتفل بذلك في وطنك"، وهي تأمل أن تكثف اللجنة المنظمة لاحتفالية العاصمة السورية الدعاية على غرار المدينة البريطانية "التي لا تضاهي دمشق عراقة".
أما البريطاني أوسكار فيقول إن ليفربول التي كانت سابقا أهم مرفأ أوروبي قد استعادت مجدها.
السوري سامر تغمره سعادة تتخللها خيبة أمل منبعها سوء التنظيم, ولم تكتمل فرحته فـ"أجمل العروض لم أستطع حضورها لنفاد البطاقات, فالحضور أغلبه رسمي".
بين دمشق وليفربول تطول المسافات وتختصرها الثقافة التي تحتكر عشاقها ولا يحتكرها أحد.