تمكنت “إسرائيل” على مدى ستين عاماً بعد اغتصابها فلسطين، من فرض نفسها في المجموعة الدولية، لكن هذه “الدولة” التي لا تزال حدودها غير محددة تبقي على الصراع مع الفلسطينيين والعرب. ويبقى الاحتلال “الإسرائيلي” للأراضي الفلسطينية والعربية عاملاً قائماً لإشعال المنطقة. وهذا الواقع إلى جانب سبع حروب لم يمنع “إسرائيل” من ترسيخ اقتصادها وان تصبح قوة تكنولوجية وتمتلك جيشاً قويًا وبنى تحتية متطورة على ارض ليست فيها موارد طبيعية، إنما بدعم غير محدود من الغرب وفي مقدمه الولايات المتحدة.
وغداة وقوع المحرقة النازية، تم إنشاء “إسرائيل” على أراض كانت خاضعة للانتداب البريطاني، وواجهت على الفور حربها الأولى مع دول عربية.
ومع هذا التطور برزت مأساة أخرى هي الترحيل القسري لحوالي 700 ألف فلسطيني (في ذلك الوقت) معظمهم إلى مخيمات لا تزال قائمة في لبنان والأردن وقطاع غزة.
وإذا كانت “إسرائيل” وقعت اتفاقات تسوية مع مصر (1978) ومع الأردن (1994)، فإنها لا تزال في حالة عداء مع الفلسطينيين وسوريا ولبنان وكل دول وشعوب المنطقة لا سيما إيران.
و”الإسرائيليون” الذين يتأرجحون بين الشك والتشاؤم حيال كل ما يتعلق بصراعهم مع الفلسطينيين والعرب، يرون ان الوقت يمر من دون وجود أفق للتوصل إلى اتفاق. وقال شالوم كيتال وهو مسؤول إعلامي سابق في الآونة الأخيرة “ليس هناك فعلا ما يدعو إلى الاحتفال (...) مستقبل بلادنا قاتم والوضع لم يعد براقا لدينا ولدى جيراننا”.
فبعد ستين عاما على النكبة، لا يشعر “الإسرائيليون” بالأمان. واظهر استطلاع للرأي اجري في الآونة الأخيرة ونشرته صحيفة “هآرتس” العبرية ان 34% من “الإسرائيليين” يخشون امتلاك إيران السلاح النووي و22% أزمة اقتصادية و21% حربا على الحدود مع لبنان و14% يخافون من مجموعة أمور. وقال 4% فقط من “الإسرائيليين” انهم لا يخافون من شيء، فيما قال 4% انهم لا يعلمون مما يجب أن يخافوا.
وقال افراييم كام المتخصص في الشؤون الحربية ان “إيران والمسألة النووية أعادانا إلى الوراء عبر إعادة التهديد الوجودي الذي كان قائما قبل حرب 1967 او خلال حرب يوم الغفران (اكتوبر/تشرين الأول) عام 1973”.
وعدد “المشاكل الشائكة” وهي التهديد الايراني واستمرار الاحتلال والاستيطان في الضفة الغربية والنمو السريع لعدد السكان الفلسطينيين وتصاعد قوة حماس في غزة واستمرار إطلاق الصواريخ على “إسرائيل”. وفي هذا الصدد يقول عكيفا إلدار المتخصص في شؤون المجتمع “الإسرائيلي” “لقد ورثت عن والدي دولة معجزة وأترك لأولادي علامة استفهام”.
وأظهر استطلاع رأي ان 52% من “الاسرائيليين” لا يستبعدون الهجرة مقابل 32% قالوا ان لا شيء يمكن يدفعهم إلى المغادرة، وقال 24% إن ما يمكن أن يدفعهم للمغادرة هو فقدان الثقة بمستقبل “الدولة” أو القلق على مصير أولادهم. وقال 12 % إن الوضع الأمني المتدني والخوف من حرب يدفعانهم للتفكير في مغادرة البلاد، فيما قال 10% إن عرض عمل مغر سيجعلهم يغادرون.
وفي ردهم على سؤال اذا ما ان شعورهم جيد بالعيش في “اسرائيل” قال 39% ان شعورهم جيد جدا فيما قال 52% ان شعورهم جيد بصورة كافية . وقال 30% انهم إنهم يشعرون بالخجل من كونهم “إسرائيليين”.
من جهة اخرى سيتمكن الفلسطينيون المقيمون قرب المستعمرات في الضفة الغربية من مشاهدة الألعاب النارية التي تطلق الأربعاء احتفال “إسرائيل” بالذكرى الستين لاغتصاب فلسطين وتشريد ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني. وكلما خرج جمال الرومي (51 عاما) من منزله في مخيم الأمعري للاجئين القريب من مدينة رام الله في الضفة يرى مستعمرة “بسجوت” المقامة على سفح جبل محاذ للمخيم وتابع لأراضي مدينة البيرة.
يقول الرومي، مدرس اللغة العربية في إحدى المدارس الحكومية، “كلما أشاهد المستوطنة أتذكر فورا قصص والدي ووالدتي عن هجرتهما وترحيلهما عن أرضنا في مدينة اللد”.
وتظهر المستوطنة بوضوح أمام عائلة جمال عندما يجلسون فوق سطح منزلهم وسط المخيم. ويقول الرومي “تلاحقني المستوطنة صباحا وعند المغيب كل يوم”. ويضيف “من الممكن ان يفرض علينا العالم حلاً سياسياً لقضية اللاجئين لكن هذا الحل لن يجد يوما موافقة منا والأجيال القادمة لن تنسى ارض آبائها يوما لان هناك ما يذكرها فيها كل يوم”. ويقول انه بحكم عمله كمدرس يحرص دائما على نقل قصص الهجرة والنكبة الى تلاميذه، إضافة الى بناته السبع.
وما زالت الحاجة جميلة النعاني (80 عاما) تحتفظ بذاكرة تمكنها من رواية قصة هجرتها عن بلدتها نعان قرب الرملة قبل ستين عاما، وتروي تفاصيل عن بلدتها التي تركتها حينما كان عمرها عشرين عاما. وتقول ابنتها نوال، التي ولدت في مخيم الامعري ان “قصص الهجرة والنكبة حفظناها عن ظهر قلب من رواية امي ووالدي”. وعما تعنيه لها مستوطنة بسجوت المقابلة للمخيم، تؤكد نوال “ كلما ارى المستوطنة أتذكر الظلم والقهر. كيف نعيش نحن المهجرين وكيف يعيش أولئك الذين طردونا واخذوا ارضنا بالقوة”.
ومثلما يشاهد اللاجئون الفلسطينيون في مخيم الامعري احتفالات المستوطنين بإقامة “اسرائيل”، يشاهد سكان مخيم الجلزون ذات الاحتفالات في مستوطنة “بيت ايل” التي لا تبعد سوى أمتار قليلة عن المخيم. وقال عبدالناصر البايض (42 عاما) من الجلزون انه يشعر بحسرة وأسى كلما شاهد المستوطنين وهم يطلقون الألعاب النارية. وأضاف “اعتقد انهم يطلقون هذه الألعاب النارية بشكل مقصود لانهم يدركون ان الكثير من الفلسطينيين سيرونها، كأنهم يريدون اغاظتنا بذلك”.
وتابع الرجل الذي يعود بأصله الى بلدة الدوايمة “كلما شاهدت تلك الالعاب النارية أتذكر على الفور مأساة اجدادي حينما تم تهجيرهم من الدوايمة التي جرت فيها مذبحة على ايدي العصابات الصهيونية”.