لم يفصل سوى يومين بين قمة بروكسل الأوروبية، التي دعا إليها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لبحث “تداعيات احتلال روسيا لجورجيا”، وبين قمتي دمشق، الثنائية يوم الثالث من سبتمبر/أيلول بين الرئيسين الأسد وساركوزي، ثم الرباعية في اليوم التالي التي انضم إليهما فيها أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ورئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان.
في منتصف شهرآب/أغسطس الماضي زار الرئيس الأسد باريس، وقيل إن صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين قد فتحت. لكن الأسد قام بعد تلك الزيارة بزيارتين مهمتين أزعجتا واشنطن وتل أبيب، الأولى لطهران والثانية لموسكو، حيث أكد الأسد في الأولى على متانة علاقات بلاده مع إيران، وأعلن في الثانية تأييده للموقف الروسي في حرب جورجيا. كان ساركوزي، في الفترة نفسها قد زار عددا من دول المنطقة ضمت أفغانستان والعراق، ولبنان والكيان الصهيوني والأراضي الفلسطينية المحتلة، ووصل في الأسبوع الثاني من شهر آب/أغسطس الماضي إلى موسكو وتبليسي في القوقاز سعيا لوقف إطلاق النار هناك، وها هو يزور دمشق في الثالث من سبتمبر/أيلول 2008 في أول زيارة يقوم بها رئيس فرنسي للعاصمة السورية منذ ست سنوات، وما زالت الذاكرة تحتفط بما جرى في الثاني من سبتمبر/أيلول 2004 عندما صدر قرار مجلس الأمن رقم 1559 بمبادرة من فرنسا شيراك، ذلك القرار الذي كان يستهدف “تحرير لبنان من الاحتلال السوري” و”تحرير سوريا” من نظام الأسد! صحيح أنه لا شيء يدوم في السياسة، فلا صداقة تدوم ولاعداوة، وحتى المصالح التي يقولون إنها دائمة هي أيضا ليست كذلك!
لقد تبين من المؤتمر الصحفي المشترك أن القضايا موضوع مباحثات الرئيسين كانت:
1) “عملية السلام في الشرق الأوسط”، والمفاوضات السورية - “الإسرائيلية” غير المباشرة والتي تلعب فيها تركيا دور الوسيط، وهو ما يفسر وجود رئيس الوزراء التركي.
2) “استقلال وسيادة لبنان”، وهو ما يفسر وجود الأمير القطري صاحب اتفاق الدوحة.
3) الملف النووي الإيراني والدور المطلوب من سوريا في هذا الملف.
4) الموقف السوري من الحرب الروسية- الجورجية وتداعياتها والعلاقات المتطورة مع موسكو، وهذا الموضوع لم يتطرق إليه أي من الرئيسين في المؤتمر الصحفي، لكن الرئيس الأسد ذكر أن المباحثات تطرقت “لقضايا دولية أخرى” لم يحددها. كذلك من الصعب تصور أن المحادثات لم تتطرق للوضع في العراق، أو لموضوع “الحرب على الإرهاب”، وورطة فرنسا وحلف الأطلسي في أفغانستان خصوصاً أن دم الجنود الفرنسيين في كابول لم يجف بعد!
القضايا المذكورة، والتي لم تذكر، تبين أن ساركوزي لم يأت إلى دمشق باسم فرنسا وبحثا عن مصالحها وحسب، كما لم يأت فقط بصفته رئيساً للاتحاد الأوروبي، بل جاء (مبعوثاً) على نحو أو آخر من (أطراف أخرى) معروفة لا تكن الصداقة أو الخير لسوريا، أطراف مثلها ساركوزي في قمة دمشق فكانت الغائبة الحاضرة فيها، وهي على وجه التحديد: الولايات المتحدة الأمريكية، والكيان الصهيوني، وجورجيا، وفريق 14 آذار اللبناني.. فساركوزي صديق مقرب لهذه الأطراف جميعا، وعلاقاتها جميعا مع سوريا ليست على ما يرام، فلعله ظن أنه يستطيع أن يقدم لهم أو لبعضهم خدمة ما، من خلال “الصفحة الجديدة” التي قرر أن يفتحها مع سوريا.