عودة لسبع سنوات تخرج من الذاكرة لجغرافية ارتسمت بشكل سريع، فإذا كانت "بشاعة" الحدث بقيت راسخة داخلنا، فإنها خلفت وراءها 2000 يوم من الاحتلال للعراق وتصفية دولته، ثم تشتت الهوية وبدأ ت"داحس والغبراء" على الطريقة الأمريكية، فمهما كانت طبيعة الحادي عشر من أيلول لكنه عبر إلينا من الأسئلة المفتوحة التي حاولنا أن نبقيها معلقة في فضاء مجتمعنا ... وصورتها كانت أكثر من انهيار مبنيي التجارة، لأنها بدأت تكتب ملامح تاريخ خاص ليس فقط في مجال مكافحة الإرهاب، بل أيضا في صياغة التفكير بالعالم المعاصر وبالتكوين الثقافي لشعوب بقيت تحلم بالتراث.
بعد الحادي عشر من أيلول كانت صورة الحرب في أفغانستان توحي بأن العالم أصبح حلبة غير مسبوقة لصراع من القرون الوسطى، وظهر الإعلام بأشكال من "البروبغندا" تشبه إلى حد كبير "التشكيلات" الإعلامية عشية وخلال الحرب العالمية الأولى، فالردة لم تكن فقط في عالم يعيش صراع الماضي والحاضر، ولكنها التحمت مع "جغرافية الحداثة" في أوروبا، ومع النزعات التبشيرية للمحافظين الجدد، لتنتج صورة غير مألوفة لعالم يرتد، لكننا لا نعرف إلى أي تاريخ سيعود
والحادي عشر من أيلول شهد أيضا "التجارب" الإستراتيجية للولايات المتحدة في العراق، فمهما تكشفت اليوم من أوراق حول "زيف" المبررات التي دفعت الإدارة الأمريكية لاحتلال العراق، لكنها في النهاية شكلت "تجربة" لإنتاج "شرق أوسط أصفر" يدفعنا في كل لحظة للسؤال عن السبات والسكون الثقافي الذي استهلك الزمن وجعلنا مرة أخرى نرتدي "عباءة الإعرابي"، فكان من المتوقع أن ينطلق السؤال من داخلنا بدلا من أن يدفعه بعض المثقفين الأمريكيين ... لماذا يكرهوننا؟! سؤال ربما نجد عليه إجابة سريعة، لكنه أكثر تعقيدا من رده إلى عواطفنا وذاكرتنا فقط. إنه سؤال المواجهة ما بين الحداثة والتراث .. وما بين الصورة الجديدة للعالم وآفاقنا القديمة.
من الممكن تلمس الخطر ومراقبته بعد التجربة المرة في العراق التي وضعتنا أمام خطر "الطلاق" الثقافي الذي كرسته سياسة مكافحة الإرهاب. فالعراق كان الضحية الأولى للحادي عشر من أيلول وليس أفغانستان، لأنه شهد عبر 2000 يوم من الاحتلال "استلاب حضاري" وتجربة ارتداد حقيقي لتصبح جغرافيته "منتج فتن" على طريقة القرن الأول الهجري، لكن العراق كان نموذجا فقط و"التعميم الفكري" أصبح حالة عامة أعادت إنتاج الصور النمطية للشرق كـ"مصدر للإرهاب" ولمجتمعات عصية على الحداثة.
ألفي يوم في العراق كانت كافية لمعرفة ماهية الحادي عشر من أيلول، ولقراءة نوعية الجريمة المتبادلة من الطرفين، وربما لإعادة صياغة "الحرب على الإرهاب" لأنها أغرقتنا بوحل الماضي بدلا من أن تجعل العالم "أكثر أمنا".