تصعد وردة مع قرابة عشرون فقيرة مثلها في ’بيك آب’ المتعهد الذي يسمى ’الشاويش’، مُتجهين من أفقر أحياء الرقة ’الرميلة’ إلى حقل للقطن في إحدى القرى لتعمل مع العشرات كقاطفة.
وردة ابنة مدينة، لكنها تعمل كأغلب نساء الريف في منطقة الجزيرة ’شمال شرق سورية’ بأجرة ستة ليرات على كل كيلو قطن تقطفه، في رحلة يومية تبدأ مع الفجر وتنتهي بالعصر.
مجموعة وردة ليست الوحيدة التي قدمت القرية، إنما توجد عاملات من نوع آخر، يعشنّ ضمن معسكرات في نفس القرية أو في قرى أخرى كالحسكة ودير الزور.
فاطمة ’23 سنة’ وهي إحدى زميلات وردة لكنها ممن يقمن في معسكر قرية ’كسرة عفنان’ خلال موسم القطن،تقول’ لا أعرف القراءة ولا الكتابة فاتجهت نتيجة أحوال أسرتي السيئة إلى هذا العمل رغم التعب الذي يسببه لفتاة بعمري’.
يقتصر عمل المرأة في الزراعة على غير المتعلمات في ريف الرقة، كما يقتصر أيضاً في حقول الآخرين على أبناء العائلات الفقيرة في القرى، أو كحال وردة التي تعيش في حي على أطراف المدينة.
أرقام حكومية
لا توجد أرقام حكومية تبيّن عدد المتعلمات أو العاملات في هذا الريف، أو أية أرقام أو معلومات تخص هذه المرأة، عند مركز الإحصاء بالرقة كما أوضح مديره مصطفى الموح، لكنه يقول أن المركز عمل كثيراً من أجل المرأة في المنطقة الشرقية وساعدها كثيراً!؟.
يعتبر الموح أن الحكومة ومؤسساتها لم يعطوا صورة حقيقية ودور فعّال للمرأة في ريف الرقة، ويرى أن الأخيرة إيجابية في الحياة الاجتماعية، إذ تقوم بين 70 إلى 80% من الجانب الاقتصادي والاجتماعي الريفي.
لا تقتصر المساعدات الكبيرة للمرأة على مركز الإحصاء فقط، بل تقول رئيسة الإتحاد النسائي في الرقة نجمة الشيخ موس أن الإتحاد قذّم للمرأة كما لم يقدم أحد، مؤكدة أن 90 % من ’كوافيرات’ الرقة دربهن الاتحاد، وأن هناك إقبال كبير على النشاطات التي يقيمها، رغم إشارات الاستفهام الكبيرة التي أبدتها العاملات عند الحديث عن هذه النشاطات، إضافة لعدم معرفة الكثير من نساء الرقة ورجالها لموقع الاتحاد.؟!
اقترحت شيخ موس من جهتها إعطاء وسام قيّم للاتحاد لعمله بصمت، وقالت :’أنا أعمل مجاناً دون أجر، أي أن عمل الاتحاد تطوعي’.
من الزراعة للزراعة
تجد المرأة الريفية نفسها مضطرة لممارسة عملين، الأول في المنزل من تربية طبخ وتنظيف، والثاني تمثله الزراعة وتربية الحيوانات، إذ ليس للفلاح في الجزيرة إن فكر بترك الزراعة سوى الزراعة، لا سياحة ولا تجارة ولا صناعة في الريف الذي يعتمد بشكل رئيسي على المحاصيل، أمّا المدينة تعتمد في اقتصادها على أهل الريف، كما أنها ليست متطورة عنه بما يسمح ’للوافدين’ بالعمل في مجال الصناعة والتجارة إلا ضمن نطاق ضيق، وفرص العمل في القطاع العام تحولت إلى حلم لا يتحقق إلا لقلائل.
يعتقد رئيس اتحاد الفلاحين بالرقة أحمد المهباش أن الحالة الاقتصادية السيئة للفلاح دفعته لإرسال بناته أو زوجته للعمل في أرض ليست لهم، على عكس العادة في المنطقة، ويرى المهباش أن المرأة الريفية ليست مظلومة، فهي على الأغلب تعمل في أرضها قرب زوجها و أبنائها.
فارس وردة
على وردة قطف مئة كيلو من القطن يومياً للحصول على 600 ل س، وهو أمر يستغرق الكثير من الجهد تحت أشعة الشمس التي قد تبلغ حرارتها أحيانا 43 درجة.
تقول وردة: ’ إن كان التراب والشمس حلاً وحيد لأطعم جوعي وأعين أسرتي، فلا أمل وسط هذا التعب سوى فارس ’عريس’ ينتشلني من وسط هذا القطن’.