سارعت الخارجية الروسية إلى شرح أبعاد زيارة وزيرها سيرغي لافروف إلى دمشق، وذلك في محاولة وقف سيل التوقعات التي بدأت تظهر حول الأهداف غير المعلنة
سارعت الخارجية الروسية إلى شرح أبعاد زيارة وزيرها سيرغي لافروف إلى دمشق، وذلك في محاولة وقف سيل التوقعات التي بدأت تظهر حول الأهداف غير المعلنة لمثل هذه الزيارة، على الأخص أن رئيس هيئة الاستخبارات الخارجية يرافق لافروف، وهو ما يدفع لرسم سيناريوهات إضافية وربما مخاوف من نوعية الحلول التي يمكن أن تتبعها موسكو، فالمباحثات الروسية تأتي بعد أيام قليلة من الفيتو الروسي – الصيني في مجلس الأمن ضد مشروع القرار "العربي – الغربي"، فالمؤشرات السياسية تبدو واضحة لكن نوعية التنسيق هي التي دفعت الكثير من التقارير إلى الدخول في تفاصيل طالت حتى الجانب الأمني في البلدين.
وقالت وزارة الخارجية الروسية أمس إن لافروف سيسعى خلال زيارته المقبلة الى دمشق الى الدفع من "اجل تطبيق إصلاحات ديمقراطية سريعة"، وان الهدف من وراء الزيارة العمل على احلال الاستقرار في سورية.
كما شرح البيان بشكل مطول مبررات موسكو لاستخدام حق النقض في مجلس الأمن، موضوحة إن روسيا لا يمكنها ان تقبل بعض المواقف التي جاءت في مسودة القرار التي لها "طبيعة انذار نهائي"، بما في ذلك مطالبة الرئيس السوري بشار الاسد بالتنحي، كما تأسف البيان لعدم الوصول إلى اتفاق موحد للمجتمع الدولي محملا "الشركاء" عدم إظهار إرادة سياسية لتحقيق التوافق.
وأكد البيان عزم روسيا على التوصل "الى إحلال الاستقرار في سورية من خلال التطبيق السريع للإصلاحات الديمقراطية الملحة"، معتبرا أن هذا الهدف هو وراء زيارة لافروف ورئيس الاستخبارات الخارجية ميخائيل فرادكوف إلى دمشق.
لكن مؤشرات الزيارة تقف إلى جانب آخر من اللغة الدبلوماسية التي استخدمتها وزارة الخارجية، فحديث موسكو عن الإصلاحات لم يتوقف، كما أنها تعاملت بشكل مباشر مع الأزمة من خلال مباحثاتها مع أطراف المعارضة السورية في الداخل والخارج، والجديد في الموقف الروسي يأتي وفق بعض المصادر من التصادم الحاد داخل المجتمع الدولي بشأن تلك المسألة، وتتحدث المصادر من العواصم العالمية أن تعقد الاشتباك الدولية سيبقى محكوما بأمرين أساسيين:
الأول هو عدم توفر الإرادة والظرف الدوليين للتعامل عسكريا وبشكل مباشر مع الموضوع السوري، وهو ما دفع الجانب الأوروبي – الأمريكي إلى دعم العناصر المتمردة على استمرار التسلح، مع ضمانات باستمرار الضغط على دمشق لإرباكها بحيث لا تدفع الحسم العسكري مع المتمردين إلى أقصاه.
وتدرك موسكو حسب نفس المصادر أن التعامل مع حليفتها لا يحتاج فقط إلى تسهيل الحوار، بل أيضا إلى كسر "الشرعية" الممنوحة للمتمردين حتى تستطيع السلطات السورية التعامل معهم، فالإصلاحات التي تتحدث عنها موسكو والتغيير الذي تطلبه مختلف تماما عما تم طرحه في الأمم المتحدة، لأنه يريد تحديد المنضويين تحت غطاء العملية السياسية وبالتالي عزل العمل المسلح بشكل كامل، فالتحرك الروسي اليوم يحمل سيناريو معاكس لمقترح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بشأن "مجموعة الاتصال".
الثاني رغم أن كافة المؤشرات ترفع من احتمالات الصدام المسلح، ليس بشأن سورية، بل أيضا لرسم موازين قوى شرق أوسطية مختلفة، لكن موسكو تفضل "الردع السياسي" الذي يضمن لها تحركا أوسع في حزمة القضايا، ومنها ملف إيران النووي والدرع الصاروخي، وهو ما يدفعها للتعامل سياسيا مع دمشق لإعطاء زخما جديد لقضايا المنطقة بعد احتكار أمريكي استمر لعقدين متتالين.
من جانب آخر نشرت صحيفة "روسيسكايا غازيتا" مقالة للسياسي الروسي يفغيني بريماكوف يعبر فيها عن قناعته بأن روسيا والصين، كانتا على حق عندما استخدمتا حق النقض، للحيلولة دون صدور قرار من مجلس الأمن، يفرض عقوبات ضد سورية. فأن الولايات المتحدة وحلفاءها في حلف الناتو، استغلوا الحالة التي أوجدها الربيع العربي، للتخلص من الأنظمة التي لا تروق لهم.
ومن المعلوم أن النظام السوري لم يكن أبدا مقبولا لدى الغرب، بسبب علاقته الوثيقة بإيران. ولهذا كان "النظام السوري" على رأس الأنظمة، التي ترغب الولايات المتحدة باسقاطها، في إطار خطة تهدف لإحكام الخناق على إيران وزيادة عزلتها. ولكن البحث في أسباب التحالف السوري ـ الإيراني، يقودنا إلى استنتاج أن هذا التحالف هو نتيجة طبيعية للفشل في إيجاد تسوية للنزاع العربي ـ الإسرائيلي. إن الصراع الدائر في الشرق الأوسط منذ عقود على درجة كبيرة من الخطورة. وغياب التسوية، يمكن أن يوصل الأمور إلى نقطة حرجة، وذلك أن الفشل في حل هذه القضية، هو تحديدا ما دفع دمشق للبحث عن امتداد استراتيجي لها.
ويتابع بريماكوف أن ما يحصل اليوم، يعيد الى ذاكرتي ما قاله الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد خلال إحدى جلساتنا، حيث أكد لي أنه سيفعل كل ما بوسعه لحشد الدعم، كي لا تقف سورية منفردة في مواجهة إسرائيل. وفيما يتعلق بموقف أغلبية الدول العربية من النظام السوري، فإني أعتقد أنه ناجم عن تصاعد المواجهة بين المذهبين السني والشيعي، اللذين يعتبران الأكثر انتشارا بين المسلمين.
فبعد الغزو الأمريكي للعراق زادت حدة المواجهة بين المذهبين. وموقف جامعة الدول العربية ينطلق من المخاوف من إقامة ما يعرف بـ "الهلال الشيعي" الذي يضم كلا من العراق وإيران وسورية ولبنان.
إن التنبؤ بما يمكن أن يحدث في المنطقة، في حال الإطاحة بالنظام السوري، أمر في غاية الصعوبة. آمل أن تعيد الدول، التي عرضت مسودة ذلك القرار على مجلس الأمن، حساباتها قبل التفكير بإسقاط النظام السوري. فقد رأينا بأم أعيننا العواقب الوخيمة، التي جلبتها على تلك المنطقة، السياسات الطائشة، والقرارات المتهورة التي اتخذتها بعض الأطراف. من هنا يتوجب التصدي لمثل هذه السياسات، وإلا فإن المنطقة سوف تعاني مجددا من الفوضى والحرب الأهلية، وهذا بدوره سيقود إلى تعميق الصراع العربي ـ الإسرائيلي.