وتأتي التفجيرات بعد تطورات أمنية واضحة انتشر فيها الجيش في مناطق التوتر، وتم تناقل أنباء عن محاولة لإنهاء حالة التمرد العسكري في منطقة حمص وريفها
استفاقت حلب على تفجيرين ارهابيين استهدفا مقري الأمن العسكري وكتيبة حفظ النظام، وهو ما أدى الى سقوط قتلى وجرحى بين عسكريين ومدنيين. وياتي التفجرين بعد تصعيد سياسي ودبلوماسي بعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى دمشق، فيما اعتبرت بعض المصادر أن انتهاء الهامش السياسي وذلك في أعقاب تصريحات بإمكانية سحب بعثة المراقبين، أو إغلاق بعض السفارات العربية هو المسؤول عن التصعيد الحاصل الذي طال حلب صباح اليوم.
وتأتي التفجيرات بعد تطورات أمنية واضحة انتشر فيها الجيش في مناطق التوتر، وتم تناقل أنباء عن محاولة لإنهاء حالة التمرد العسكري في منطقة حمص وريفها، وذلك بعد أيام من عملية مماثلة في ريف دمشق، واعتبرت بعض المصادر أن التصعيد الذي يحدث اليوم يعبر عن ذروة جديدة في الأزمة، على الأخص مع حالة الاستقطاب الإقليمي.
دبلوماسيا شهد الأسبوع الماضي تطورات سريعة، ففيما كان الفيتو الروسي الصيني أو الفيتو المزدوج يرتد وقعه في جلسة مجلس الأمن الأخيرة ضد سوريا في ماوصف بالـ"مبادرة العربية"، أعربت مندوبة الولايات المتحدة من "اشمئزازها" للدوبل فيتو، الرد الصيني كان حاضرا، بكين رددت وكررت بأنها إن "وجدت ضرورة لاستخدام الفيتو مرة أخرى فلن تتردد في ذلك"، أي أن الصين ليست معنية كثيرا بمشاعر الولايات المتحدة و"اشمئزازها".
الحضور الروسي في العاصمة الدمشقية فيما تحتدم جلسة الأمن تلك رسالة بليغة أخرى، إذن هو حضور روسي على خارطة العالم العربي وفي مياهه الدافئة، اللاءات الروسية مستمرة، لا للتدخل لا للتنحي لا للمسلحين، رسائل تتبادلها العواصم الكبرى "موسكو- طهران- بكين- واشنطن" في حرب باردة اضطرمت أوارها في خريف عربي مستمر، بين نائب سلفي يقاطع جلسة مجلس الشعب المصري ليؤذن بمعية رئيس مجلسه الإخواني الكتاتني، وتصعيد إرهابي شهدته سوريا في حمص بمجرد انعقاد المجلس بسقيفته بنتائجه المتوقعة سلفا مع الزيارة المعلن عنها من وزير الخارجية الروسي ورئيس استخباراته في ظل استعرار تصعيد العمليات الإرهابية في مدينة حمص وريف إدلب.
بل وتصريحات أخرى تؤكد صلابة الموقف الروسي، أمام سخرية لافروف من نظيريه البريطاني وليم هيغ والألماني غيدو فسترفيله، قائلا "لقد فوتنا فرصة للسماح للمجموعات المسلحة التي تحارب القوات الحكومية بالسيطرة على المزيد من المدن والقرى، نعم لقد فوتنا تلك الفرصة، وإذا كان ذلك هدف معدي مشروع القرار فكان لا بد أن يقولوا مباشرة إننا نريد أن تسيطر المجموعات المسلحة على المدن في سوريا"، وأوجز لافروف""عليكم اعتماد الصراحة مع شركائكم، لأن نصف الحقيقة اسوأ من الكذب"!
على خط مواز من الحسم للبؤر الإرهابية، الرئيس بشار الأسد أكد للافروف" قرب طرح الدستور الجديد للاستفتاء، وانطلاق رزمة من الإصلاحات والاستعداد للحوار الوطني"، وإصدار "تفويض لفاروق الشرع نائب الرئيس بمفاوضة جماعات المعارضة كافة وتنظيم الحوار الوطني بمشاركة القوى السياسية السورية كافة"، دون أن تنسى روسيا تأكيد إعلانها لمبادرة جامعة الدول العربية التي طرحت في تشرين الثاني الماضي والتي اقترحت انسحاب القوات من المدن والبلدات وإطلاق سراح السجناء والبدء في تنفيذ إصلاحات".
يجري ذلك وسط حرب إعلامية سياسية دبلوماسية عسكرية، حاولت التقليل من شأن الفيتو المزدوج وصداه في مجلس الأمن بفوضى من الأخبار والتقارير والتصعيد الأمني في الداخل والهجوم على السفارات السورية في الخارج، والحرب الإعلامية بعناوين مسبقة عن اجتماعات لمجلس اسطنبول، وتصعيد دبلوماسي لتأسيس ماوصف بـ"أصدقاء سوريا"، ومطالبات بسحب السفراء، اسبانيا المانيا ايطاليا وفرنسا -أوروبا العظيمة- تبعت صيحة راعي البقر وسحبت سفرائها للتشاور، فيما طرح رئيس البرلمان العربي على الدول العربية على خطا الغرب دعوته لسحب السفراء، ومنه ما أشيع عن طرد السفير السوري في تونس، فيما تشير الوقائع إلى أن دمشق احتفظت بسفيرها في دمشق منذ فترة طويلة بعد أحداث تونس، وفي السياق ذاته تنطع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي للتقليل من شأن الخطوات السورية التي تنوي الدولة إطلاقها وأطلعت لافروف عليها في زيارته التي حظيت بترحيب شعبي.
بدا أن الماكينة الإعلامية جاهزة لعناوين مسبقة، تتالت الدعوات والأخبار باجتماع عاجل لرموز مجلس اسطنبول في قطر، وتحرك تركي وآخر فرنسي تحت مسمى الممرات الإنسانية، في حين لم يعد أحد يتداول خبرا عن بعثة المراقبين تلك التي جمدتها جامعة العربان بعد تقريرها الأول، تقرير حط في مجلس الأمن بيد العرب للتدويل، وتصدرته دعوات ساركوزي الحسنة لما وصفه بالممرات الإنسانية.
على خط متصل بدا أن أنقرة لاتزال على مواقف حزب العدالة والتنمية الحزب الإخواني لن يخرج من عبائته وسيبقى وفيا لعرابه الأمريكي، مع إعلان داود أوغلو ان تركيا تعمل على عقد مؤتمر دولي "في أقرب فرصة" حول الأزمة السورية بمشاركة أطراف إقليمية ودولية، وقال صاحب سياسة تصفير المشاكل"نحن مصممون على تنظيم منتدى على اساس واسع من اجل توافق دولي بين الدول التي يقلقها الوضع في سوريا" على حد تعبير مهندس الانفتاح التركي نحو الشرق في وقت سابق، ولم ينسى الإشارة إلى أن المؤتمر قد يعقد في تركيا او بلد آخرعلى ان يكون في المنطقة وفي أقرب فرصة، أضاف أن "تركيا تلتزم سياسة دبلوماسية نشيطة من اجل تحديد خريطة طريق جديدة لسوريا"، مستبعدا التدخل العسكري، لكنه عزف على التدخل الإنساني من "باب إدخال المساعدات للمدنيين" والذي سينتهي بسيناريو ليبي، وقد خبرته سوريا سابقا مع توصيل قافلة تبين أن المتطوعين فيها للعمل الخيري هم مسلحو ومجرمو جسر الشغور الذين هربوا لمخيمات الحدود.
غير أن أوغلو وفي سير على خطا سيناريو اللاجئين والمخيمات منذ مطلع الأحداث، قال ردا عما إذا كان تصاعد العنف اقترب من النقطة التي تعتقد تركيا انه قد اصبح من اللازم إنشاء منطقة عازلة داخل سوريا او ممرات أمنية، اوغلو جزم"نعم، نحن قلقون جدا. الآن يموت مئات الاشخاص يوميا. نحن قلقون مما قد يحدث الاسبوع المقبل او الشهر المقبل، وتركيا معنية مباشرة".
في لبنان، كان الأهم التحول نحو قرار حكومي رسمي يلتزم بضبط الحدود، ليس فقط من مدخل مايجري داخل سوريا وإنما مفاعيله في لبنان وسلمه الأهلي، مع إعلان ميشال سليمان الرئيس اللبناني بـ"الدور الذي يقوم به الجيش لحفظ السلم الأهلي وحماية المواطنين واستقرارهم في الدرجة الأولى، والحؤول دون انعكاس ما يحصل حولنا على الداخل اللبناني، وذلك بفضل بقائه بعيداً عن التجاذبات السياسية"، وبحسب المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية، فإن ما يقوم به الجيش يدخل "ضمن المهمات التي كلفه إياها مجلس الوزراء، وهو يحظى بالغطاء السياسي الكامل لتنفيذ هذه المهمات".
داخليا، لقاءات الأسد بالسوريين حملت عناوينا للحدث في سوريا وهو مؤتمر الحزب المنتظر وحزمة الاصلاحات المنتظرة والاستفتاء الدستوري، وقناعته بأن "حزب البعث نفسه يحتاج إلى انتفاضة جدية، وإلى تغييرات كبيرة تتناول آلية تفكيره وطريقة عمله وهيئاته القيادية، وأن الدولة بمؤسساتها كافة بحاجة إلى ورشة متواصلة ستستغرق وقتاً غير قصير، لكن لم يعد بالإمكان التعايش مع حالة الوهن التي تصيبها، ومع حالة التراخي التي أدت إلى جعل الفساد عنواناً حيوياً في كل شؤون الناس".
حراك نحو الإصلاح وسط تصعيد دبلوماسي وتهديد بالاعتراف بمجلس اسطنبول وإغلاق السفارات السورية في مسعى أخير لفشل التدخل العسكري...وسط تشكيك بجدوى الحكومة الحالية وحرب اقتصادية وعقوبات تستهدف الاقتصاد والمواطن السوري في غفلة من حكومة يعترف وزيرها بعدم أهليتها لإدارة الأزمة.