الحدث وبغض النظر عن موقفنا منه سار في سورية ليعيد بناء العلاقات من جديد، فالمسألة لم تكن فقط في نوعية الهدف السياسي بل أيضا في الشبكة المستحدثة التي ظهرت مع تطور العنف بالدرجة الأولى،
الحدث وبغض النظر عن موقفنا منه سار في سورية ليعيد بناء العلاقات من جديد، فالمسألة لم تكن فقط في نوعية الهدف السياسي بل أيضا في الشبكة المستحدثة التي ظهرت مع تطور العنف بالدرجة الأولى، ومع الرغبة لدي كل طرف في خلق استقطاب، فإذا كانت السياسة تسعى للتنافس عبر البرامج، فإن ما حدث في سورية هو احتلال الشعارات لكافة المساحات المتاحة، بينما ظهر "سياق" للعلاقات الاجتماعية والثقافية بشكل عام؛ لم يستطع خلق فرز واضح لكنه بالتأكيد أسقط العديد من "القيم" التي كان البعض يراهن عليها من أجل المستقبل.
المشهد قبل الحدث لم يكن يقدم الكثير، فالثقافة تم اختزالها بمجموعة الأنشطة أو حتى الإنتاج الثقافي، وإذا كانت "الدراما التلفزيونية" جزء من هذه الأنشطة أو الإنتاج، فإن المستوى الثقافي العام كان يراوح عند نفس النقطة التي انتهينا إليها في نهاية سبعينيات القرن الماضي، وبصورة أكثر تفصيلا يمكن إدراج النقاط التالية كمحطة في "العلاقات الثقافية" العالقة:
- بداية سقوط الإيديلوجيات على المستوى الثقافي لم يكن مجرد انعكاس لحالة دولية تجلت بانتهاء الحرب الباردة، فمنذ نهاية السبعينيات يمكن رصد النقطة الأخيرة التي وصلت إليها الإيديلوجيات في صراعها داخل الساحة السورية عموما، فمنذ نهاية السبعينيات بدأت حالة السكون الفكري، وربما بالتزامن مع مشاريع "تدوين" العقل العربي سواء على مستوى الدكتور محمد عابد الجابري أو ما رد عليه وخصوصا ما قدمه جورج طرابيشي، وأيا يكن الأمر فإن تلك المحاولات كانت تدرس واقعا وصل مرحلة "السكون" على مستوى إيجاد إبداع ينقل الصراع التقليدي ما بين "الحداث والتراث" على سبيل المثال، إلى منطقة ما بعد الحداثة إن صح التعبير.
استخدام السقوط الإيديلوجي يعني بالنسبة لعملية الصراع التي نصفها هي عدم امتلاك حيوية لمنظومات الأفكار التي بدأت بالتبلور منذ بدابة القرن العشرين، لذلك فإن التجلي الثقافي بقي عند نفس النقطة وربما على العكس أصبح مهووسا بالأدوات الثقافية أكثر من الثقافة بذاتها، فانحسر "التفكير" لصالح عمليات التفسير للظواهر الثقافية، سواء كانت في عودة "الدولة" إلى مواقع متأخرة من الحياة العامة، أو تبعية المنظمات المدنية (الأحزاب على وجه الخصوص) إلى الثقافة الهادئة فأعادت إنتاج "الفكر" وفق صياغة نقدية أحيانا أو دراميا أحيانا أخرى.
- التجلي السياسي للسكون الثقافي كان في صعود "الحراك التراثي" وتفوقه حتى بالأساليب على أي حراك معاصر، فعلى هذا المستوى كانت ظاهرتي حزب الله وحماس كحركتين سياسيتين معبرتين عن مستوى معين من تعامل المجتمع مع القضايا السياسية، ومهما تم تبرير ظهورهما بعوامل إقليمية وربما دولية لكنهما شكلتا المحور السياسي منذ بداية التسعينيات وحتى نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة.
هناك سياق عام يجمع مسألة الحراك الذي ظهر خلال العقود الثلاث الماضية، فسواء تحدثنا عن القاعدة أو حماس (مع جملة الخلافات بينهما) فإننا أمام مجموعة من العلاقات التي تحكم المجتمع والسياسة وتبلور حراك يستمد قاعدته من التراث بالدرجة الأولى، بينما لم تستطع التكوينات الفكرية الأخرى إيجاد أي اختراق حقيقي في مستوى الإبداع الاجتماعي أو السياسي.
- حتى نستطيع بلورة مفهوم عام للتماوج الذي حدث في سورية، فربما علينا تفكيك هذا "السياق" وخلق مقاربات بينه وبين الحدث السوري لإيجاد حالة من التجاوز لـ"سكونية الفكر"، فالحراك، والبعض يسميها الثورة وآخرون يطلقون على الظاهرة اسم الربيع، أوجد صراع وحرك التشكيلات الاجتماعية لإنتاج أحزاب أو حتى القيام بأعمال عنف غير منظمة، إلا أنه لم يبدل من "العلاقات" على المستوى الاجتماعي العام، ولا حتى على مستوى التفكير، فالمعرفة بقيت عند نفس الحدود رغم الجرأة التي امتلكها البعض في إيجاد "الحراك" أو حتى دفعه نحو صراع مسلح.
خلال أيام سيمضي عام كامل على الحدث السوري، كان ممزوجا بالألم والحزن، وفي المقابل ربما دفع الحياة السياسية من جديد، إلا أنه لم يقفز خارج إطار المعتاد في مستوى العلاقات الاجتماعية أو حتى التفكير، وأدواته أيضا، كي نستطيع الانتصار على الأزمة، فهل علينا الانتظار أكثر؟!