يحدد مسار الأزمة السورية مسارا يتجاوز الشكل السياسي الداخلي لسورية، فخلال عام لم تعد المسألة مرتبطة بسمات ما يسمى "الربيع العربي"،
souriaalghad.me
يحدد مسار الأزمة السورية مسارا يتجاوز الشكل السياسي الداخلي لسورية، فخلال عام لم تعد المسألة مرتبطة بسمات ما يسمى "الربيع العربي"، بل ارتبط الأمر بظاهرة سياسية – اجتماعية أخذت موقعها على مستوى الدول والتشكيلات السياسية، وتبدو سورية على امتداع مساحة مفتوحة لتحولات عامة ربما تكون أخطر مما حدث في بداية القرن الماضي بعد أن انهارت السلطنة العثمانية، وما يبدو صراع على السلطة هو في وجهه الآخر بوادر لتحولات على مستوى الجغرافية – السياسية، فالعقدة السورية ليست بسبب اعتماد حل امني أو بسبب العوامل الخارجية التي دخلت على مساحة الحدث السوري، لكنها ومع عدم إهمال الأمرين السابقين تشكل عتبة التحول.
عمليا فإن مسار الأزمة لم يحمل معه أي بوادر استيعاب لما يجري، على الأخص إقليميا، فهناك مرحلة أولى شكلتها الحملات الإعلامية والتصريحات السياسية، لكنها بقيت دون تحديد واضح للمواقف، وظهرت الرهانات في تلك الفترة على "الانهيار التلقائي" لمنظومة الشرق الأوسط من خلال البوابة السورية، ولا يمكن النظر للأشهر الثلاثة الأولى في الأزمة السورية على أنها تمثل فقط حراكا ذاتيا لإزاحة النظام السياسي فقط، لأن التكوين المركب للسلطة السياسية لا يتيح تحولا على شاكلة مصر ولا حتى اليمن أو ليبيا، وهو ما تعرفه العواصم العالمية، وهي لم تكن بحاجة لأشهر طويلة حتى تدرك خطورة التداعيات التي ظهرت منذ لحظة بداية الأزمة، فهل هناك مبررات خاصة لعمليات الانتظار الطويل قبل بحث الأزمة السورية؟
الانهيار السريع والذاتي لم يشكل أي اعتبار داخل السياسة الدولية، وإذا كانت بعض الدول الإقليمية تنظر بجدية لمثل هذا الموضوع، لكن السياسات الدولية تعرف مسبقا أن ما أطلق عليه "إسقاط النظام" هو عملية من نوع خاص تحتاج بالدرجة الأولى لشروط تتطور وفق مسار الحدث، وهو ما فرض على الأزمة سورية دفعا للحدث إلى مساحات صراع مختلفة وسريعة، ولإشعال "الجغرافية الهشة" التي بمعظمها تشكل نقاطا حدودية، لكن تكرار تجربة بنغازي لم تكن واردة بنفس الصورة التي ظهرت خلال الحدث الليبي، ويمكننا هنا الإشارة إلى نقطتين أساسيتين:
– في الرؤية العامة لمظاهر الاحتجاج كان هناك تركيز إضافي على محيط مدينة دمشق، ففي النموذج السوري لم يكن مطلوبا إيجاد "مناطق محررة" بل تغيير نمط "التحكم بالأزمة" عبر الفرز السكاني مهما كان نوعه، طائفي او ديني أو مناطق أو حتى مدني – ريفي، فمسألة من صاحب المصلحة في الاحتجاج لم تكن مرسومة بدقة بل تركت للتداعيات.
– إدراك أن بيئة الاحتجاج لا تملك عصبية جامعة، فالمتظاهر في درعا يختلف تماما عن المحتج في مدينة القامشلي، حتى ولو جمعتهم ظروف اقتصادية متشابهة، إلا أن رؤية مناطق الجزيرة على سبيل المثال لمسألة الاحتجاج مختلفة نوعيا عن ريف دمشق أو حمص أو غيرها، لذلك فإن إقامة "مناطق محررة" ولو لفترات مؤقتة سيغير مستقبلا من بنية الدولة السورية وحتى من تماسكها في المراحل القادمة.
الحديث اليوم بعض مظاهر الزمة يشكل محاولة لفتح ثغرة في استعصاء إيجاد رؤية لمستقبل سورية، فالغرض الأساسي للاحتجاج "حدث" حتى مع عدم نحقيق الشعارات التي أطلقت على امتداد عام كامل من الاضطراب، فرؤية السوريون لأنفسهم تمر بحالة إرباك نتيجة مسار الزمة وآلياتها، وربما سيشكل الصراع من أجل تحديد هذه الرؤية أكبر تحد لسورية "مابعد الأزمة".