الصراع القادم 2

الكاتب : مازن بلال

حديث ما بعد الأزمة لا يرتبط فقط برسم رؤية سورية في "تكوين" علاقاتها الجديد، لأنه ومن زاوية أخرى بحث عن طبيعة الاستحقاقات التي تواجهنا اليوم وتحديد أيضا للآليات التي يمكن التعامل معها، فـ"الحوار" هو فكرة مادام مجردا عن التفاصيل التي تبدو في هذه اللحظة متراكية ومتداخلة بحيث يصعب التفكير في التعامل مع "الحوار كفكرة".

عمليا فإننا منذ بداية كوفي عنان لمهمته في سورية كمبعوث للأمم المتحدة، فإننا تجاوزنا مراحل "الصراع المكشوف"، فرغم ان حدة التصريحات والحملات الإعلامية مستمرة، لكن في المقابل هناك سويات توازن جديدة ظهرت على مساحة الأزمة السورية:

الأولى – في مساحة التعامل مع تفاصيل الاضطراب، فرغم التقارير الإعلامية المكثفة حول "القتل" لكن المزاج السياسي الداخلي يبدو أكثر اقتناعا بضرورة التعامل مع "البرامج" وليس مع "الاحتجاج" الذي يبدو انه أصبح خارجا عن سياق الأزمة على الأخص مع ظهور "معارضة مسلحة".

وفي هذا الموضوع نحتاج إلى تجاوز المواقف النعلنة داخليا، لأن ما يحدث مع ظهور أحزاب جديدة، وبغض النظر عن الانتقادات الموجهة لها، هو دخول فعلي في الصراع على الشارع السوري، فالأحزاب المرخصة اليوم والتي يتهمها البعض بانها "تتماهى" مع السلطة، هي في النهاية "تجزئة" للشارع السياسي باتجاه اهداف مرحلية، وربما تفكيك لمكونات الاحتجاج التي اجتمعت على شعارات لكنها لم نكن تملك وسائل سوى "التظاهر" أو المواجهة المباشرة مع مؤسسات الدولة.

في هذه السوية يبدو الصراع الداخلي في سورية ودون فكرة الحوار يسير باتجاه "البرامج المحدودة"، فمعظم الأحزاب الجديدة ستراقب تفاصيل وفق شكل نمطي لـ"الرقابة" ولكن بوجه جديد وبآلية أكثر فاعلية، وفي النقابل فإن "التيارات" التي ضمت نشطاء ويتم النظر إليها على انها "معارضة فعلية" تملك رؤية أكثر انقلابية في مسائل الدولة والسلطة، وهي مع عدم امتلاكها لامتداد شعبي كبير ستواجه "الصراع السياسي" القادم من زاوية اكتساب الشرعية عبر "الحوار"، الذي يمكن أن يتحول إلى صراع بين "هياكل سياسية" أكثر من كونه صراع فعل سياسي – اجتماعي.

الثانية – سوية الاضطراب بذاته، فإذا كانت الأحزاب الناشئة والتيارات التي تضم "نشطاء تاريخيين"، سيتصارعان لاكتساب شارع منهك من الأزمة ومن العقوبات الاقتصادي وتعسر عمليات الإنتاج في بعض القطاعات، فإن المعارضة المسلحة مهما كانت متشرذمة أو حتى معتمدة على دعم إقليمي، لكنها أنتجت واقعا موضوعيا وذاتيا في آن، فمناطق التوتر من الصعب التعامل معها وفق سياق الحركة السياسية القائمة حاليا، فطبيعة العنف الذي عاشته جردها من الأدوات السياسية التي توفرت على امتداد الأزمة في باقي المدن وعلى الأخص دمشق وحلب.

في سوية الاحتجاج هناك مكان مختلف أوجدته عمليات التسلح، وهو يضع تاريخا خاصا في سورية، لأنه خلق بيئة قادرة على التمرد بشكل دوري مستلهمة أحداث عام كامل، والخروج بهذه البيئة إلى موقع جديد سيكون التحدي الأساسي أمام أي عمل سياسي رسمي او حتى خارج إطار الأحزاب والتيارات، حيث لا يمكن الدخول إلى عملية سياسية طبيعية في منطقة تم إفراغها كليا من مؤسسات الدولة قبل أن تعيد الدولة وبالقوة بسط سيطرتها عليها، ونخن لسنا لسنا بصدد موقف أخلاق من الصراع الذي دار، بل نبحث في العلاقة التي نشأت نتيجة الحدث الذي مر على تلك المناطق.

الثالثة – هامش الاضطراب الذي يضم غالبية السوريين، فمعظم الأحداث التي جرت أشاعت حالة من التفاوت في النظر إلى نوعية الأزمة وتداعياتها، وشكلت "حرب الروايات" أرضا خصبة ليس لانقسام الشارع السوري بل أيضا لعدم تحديد رؤية حتى بين "الجمهور الأعرض" وربما الأكبر الذي يمثل الداعمين للبرنامج السياسي للدولة.

المجتمع السوري عموما يرى عتبة الأزمة، ولا يبدو ان موقفه هو الذي يرجح كفة طرف على آخر، لأنه تعرف على نوعية العامل الدولي القوي في الأزمة، فإرادة المجتمع كانت تتضح في مساحة المدن بشكل مغاير للأرياف، وهو ما أوجد وبشكل دائم إرباكا في تحديد الخطوة التالية بالنسبة للمجتمع عموما.

هل سيحسم الحوار هذه السويات بشكل مختلف عما هو قائم... المسألة يبدو ان مازالت مرتبطة بالتوازن الدقيق للأزمة السورية بعد عام من الاضطراب وتداعياته المختلفة.

الكاتب : مازن بلال

حديث ما بعد الأزمة لا يرتبط فقط برسم رؤية سورية في "تكوين" علاقاتها الجديد، لأنه ومن زاوية أخرى بحث عن طبيعة الاستحقاقات التي تواجهنا اليوم وتحديد أيضا للآليات التي يمكن التعامل معها، فـ"الحوار" هو فكرة مادام مجردا عن التفاصيل التي تبدو في هذه اللحظة متراكية ومتداخلة بحيث يصعب التفكير في التعامل مع "الحوار كفكرة".

عمليا فإننا منذ بداية كوفي عنان لمهمته في سورية كمبعوث للأمم المتحدة، فإننا تجاوزنا مراحل "الصراع المكشوف"، فرغم ان حدة التصريحات والحملات الإعلامية مستمرة، لكن في المقابل هناك سويات توازن جديدة ظهرت على مساحة الأزمة السورية:

الأولى – في مساحة التعامل مع تفاصيل الاضطراب، فرغم التقارير الإعلامية المكثفة حول "القتل" لكن المزاج السياسي الداخلي يبدو أكثر اقتناعا بضرورة التعامل مع "البرامج" وليس مع "الاحتجاج" الذي يبدو انه أصبح خارجا عن سياق الأزمة على الأخص مع ظهور "معارضة مسلحة".

وفي هذا الموضوع نحتاج إلى تجاوز المواقف النعلنة داخليا، لأن ما يحدث مع ظهور أحزاب جديدة، وبغض النظر عن الانتقادات الموجهة لها، هو دخول فعلي في الصراع على الشارع السوري، فالأحزاب المرخصة اليوم والتي يتهمها البعض بانها "تتماهى" مع السلطة، هي في النهاية "تجزئة" للشارع السياسي باتجاه اهداف مرحلية، وربما تفكيك لمكونات الاحتجاج التي اجتمعت على شعارات لكنها لم نكن تملك وسائل سوى "التظاهر" أو المواجهة المباشرة مع مؤسسات الدولة.

في هذه السوية يبدو الصراع الداخلي في سورية ودون فكرة الحوار يسير باتجاه "البرامج المحدودة"، فمعظم الأحزاب الجديدة ستراقب تفاصيل وفق شكل نمطي لـ"الرقابة" ولكن بوجه جديد وبآلية أكثر فاعلية، وفي النقابل فإن "التيارات" التي ضمت نشطاء ويتم النظر إليها على انها "معارضة فعلية" تملك رؤية أكثر انقلابية في مسائل الدولة والسلطة، وهي مع عدم امتلاكها لامتداد شعبي كبير ستواجه "الصراع السياسي" القادم من زاوية اكتساب الشرعية عبر "الحوار"، الذي يمكن أن يتحول إلى صراع بين "هياكل سياسية" أكثر من كونه صراع فعل سياسي – اجتماعي.

الثانية – سوية الاضطراب بذاته، فإذا كانت الأحزاب الناشئة والتيارات التي تضم "نشطاء تاريخيين"، سيتصارعان لاكتساب شارع منهك من الأزمة ومن العقوبات الاقتصادي وتعسر عمليات الإنتاج في بعض القطاعات، فإن المعارضة المسلحة مهما كانت متشرذمة أو حتى معتمدة على دعم إقليمي، لكنها أنتجت واقعا موضوعيا وذاتيا في آن، فمناطق التوتر من الصعب التعامل معها وفق سياق الحركة السياسية القائمة حاليا، فطبيعة العنف الذي عاشته جردها من الأدوات السياسية التي توفرت على امتداد الأزمة في باقي المدن وعلى الأخص دمشق وحلب.

في سوية الاحتجاج هناك مكان مختلف أوجدته عمليات التسلح، وهو يضع تاريخا خاصا في سورية، لأنه خلق بيئة قادرة على التمرد بشكل دوري مستلهمة أحداث عام كامل، والخروج بهذه البيئة إلى موقع جديد سيكون التحدي الأساسي أمام أي عمل سياسي رسمي او حتى خارج إطار الأحزاب والتيارات، حيث لا يمكن الدخول إلى عملية سياسية طبيعية في منطقة تم إفراغها كليا من مؤسسات الدولة قبل أن تعيد الدولة وبالقوة بسط سيطرتها عليها، ونخن لسنا لسنا بصدد موقف أخلاق من الصراع الذي دار، بل نبحث في العلاقة التي نشأت نتيجة الحدث الذي مر على تلك المناطق.

الثالثة – هامش الاضطراب الذي يضم غالبية السوريين، فمعظم الأحداث التي جرت أشاعت حالة من التفاوت في النظر إلى نوعية الأزمة وتداعياتها، وشكلت "حرب الروايات" أرضا خصبة ليس لانقسام الشارع السوري بل أيضا لعدم تحديد رؤية حتى بين "الجمهور الأعرض" وربما الأكبر الذي يمثل الداعمين للبرنامج السياسي للدولة.

المجتمع السوري عموما يرى عتبة الأزمة، ولا يبدو ان موقفه هو الذي يرجح كفة طرف على آخر، لأنه تعرف على نوعية العامل الدولي القوي في الأزمة، فإرادة المجتمع كانت تتضح في مساحة المدن بشكل مغاير للأرياف، وهو ما أوجد وبشكل دائم إرباكا في تحديد الخطوة التالية بالنسبة للمجتمع عموما.

هل سيحسم الحوار هذه السويات بشكل مختلف عما هو قائم... المسألة يبدو ان مازالت مرتبطة بالتوازن الدقيق للأزمة السورية بعد عام من الاضطراب وتداعياته المختلفة.