وضع مؤتمر اسطنبول الذي ينعقد اليوم في إطاره الدولي ربما يكشف إمكانية تأثيره على الوضع السوري، على الأخص أنه ينقل صورة حول واقع عام لا يرتبط مباشرة بسورية،
وضع مؤتمر اسطنبول الذي ينعقد اليوم في إطاره الدولي ربما يكشف إمكانية تأثيره على الوضع السوري، على الأخص أنه ينقل صورة حول واقع عام لا يرتبط مباشرة بسورية، فهي المرة الأولى التي يظهر فيه تحرك دولي على هذا المستوى تجاه أزمة إقليمية، رغم العنوان الاساسي للديمقراطية لا يقتصر على سورية، لكن فكرة المؤتمر بذاته تعكس حالة استراتيجية تستحق القراءة.
في الصورة العامة للمؤتمر يبدو أنه تحرك معاكس نتيجة الفضل الدولي في التأثير المباشر على الحدث السوري، حيث تم إطلاق هذه "الفكرة" مباشرة بعد الفيتو الروسي – الصيني الثاني، فشكل بذلك سيناريو من المفترض أن يخلق تداعيات دولية تُبقي "الأزمة السورية" ضمن دائرة الاهتمام، فالغاية الأساسية لم تكن إيجاد إجراءات وقرارات من انعقاده سواء في تونس أو اسطنبول أو باريس، بل دفع الأزمة السورية إلى الاهتمام العالمي باستمرار، وعدم تركها تخبو نتيجة فشلمجلس الأمن في استصدار قرار ضد سورية.
هذا الإصرار الأوروبي – الأمريكي المشترك جعل الأزمة السورية خارج النطاق الأساسي الذي ظهرت فيه منذ بداية الحدث، ويبدو أن الأمر أعقد من بعض التحليلات التي تتحدث عن دخول العوامل الخارجية إلى الاحتجاجات التي ظهرت في سورية، فما جرى دوليا يحمل أمرين:
الأول دفع التحول في سورية باتجاه معين، فمسألة عفوية الاحتجاج كان يمكن أن تنتهي بمجموعة تسويات، لكن "المعارضة" التي ظهرت منذ البداية على الفضائيات أوضحت أن الإصرار على جعل الاحتجاج سلسلة من المطالب التي تطور بشكل سريع أمر يحمل معه تحولا في البنية الاستراتيجية لسورية، وليس فقط في تغير "السلطة السياسية" ووضع شرط ديمقراطي واسع لنظام الحكم، ومهما حاولنا تبرير تصرفات المعارضة بفقدان الثقة بينها وبين السلطة، إلا أن نوعية التطور الذي حمله خطاب المعارضة يحمل بذاته دفعا نحو أكثر السيناريوهات تطرفا بشأن "إسقاط النظام"، علما أن أصوات المعارضة في الداخل كانت تحاول تفسير ما يحدث والمطالبة بإجراءات سريعة للحد من العنف، فهي ظهرت مربكة إزاء التطورات السريعة وعمليات رفع سقف المطالب.
الثاني حصر التحول في سورية باتجاه واحد فالأوربيون عموما كانوا ينظرون إلى "فئة معارضة" بعينها ويحاورون باقي أطياف المعارضة وفق تصورات هذه الفئة، وبرز هذا الأمر منذ دخلت الجامعة العربية على خط الحدث السوري، فأصبحت مرجعية المعارضة هي لمن اجتمع في اسطنبول و أطلق تصريحات في باريس ثم انتقل إلى القاهرة كي يصبح جزءا من العملية السياسية التي تقودها الجامعة العربية بسيناريو أوروبي وأمريكي.
لكن التطورات عادت لتخلق توازن على صعيد هذا الدفع الأوروبي – الأمريكي، فموسكو والصبن لم تستخدما الفيتو فقط بل بدأتا بطرح مشاريع قرار في مجلس الأمن هي من قبيل الإحراج السياسي، ثم انتقلتا إلى التحرك نحو مبادرات سياسية، وهو ما غير قواعد اللعبة الدولية فظهر "مؤتمر أصدقاء سورية" كفكرة فرنسية تعقد مؤتمراها الأول في تونس لتحمل رمزية تربط الأزمة السورية بسياق ما يحدث في العالم العربي.
عمليا فإن أضعف الأطراف في "أصدقاء سورية" هم المعارضة، فالحشد الدبلوماسي الموجود في المؤتمر لا يحتضن الأزمة السورية بقدر كونه "جبهة" في مواجهة طرف دولي آخر تلخصه مجموعة بريكس، فالأزمة السورية هي اختبار حقيقي للمواجهة بين واشنطن وبعض العواصم الأوروبية، في مواجهة كسر التوازن الدولي القديم الذي تحاول موسكو وبكين التعامل معه لحجز دور أقوى لنفسها داخل صراع المصالح الدولية.
"مؤتمر أصدقاء سورية" ينعقد ولكن دون سيناريو خاص بسورية، لأن همه الأساسي في صراع أكبر، وهموم إيجاد "جبهة سورية معارضة" ربما لا يدخل في إطار ما تريده الدول الكبرى، فهي حقيقة لا تضغط على أطراف المعارضة ولا على الدول الإقليمية التي تدعمها، فما تريده التلويح بقدرتها على التأثير للإرباك وليس لإيجاد حلول، لأن المسألة بالنسبة لها تتجاوز الوضع السوري، وتصل إلى ملفات أكثر حساسية ما بين "اتلشرق و "الغرب".