إطلاق مصطلح "التيار الثالث" يحمل بذاته حالة من "خطف الأبصار" خارج الواقع السياسي،
إطلاق مصطلح "التيار الثالث" يحمل بذاته حالة من "خطف الأبصار" خارج الواقع السياسي، حيث من المفترض كسر المعادلة التقليدية المفروضة بقوة بين "موال" و "معارض" وإيجاد مساحة إضافية يمكن من خلالها القيام بعمل مختلف.
لكن مفهوم "التيار الثالث" يطرح أيضا مجموعة من الأسئلة، فهو كحل وسط الأزمة لا يفترض بالضرورة أن يصبح تيارا واضح المعلم داخل بيئة سياسية متقلبة، وعندما يتم تقديم هذا "الطريق الجديد" خارج الأشكال النمطية السائدة اليوم فربما علينا مراجعة الموقع الذي يفترضه "التيار الثالث" داخل الأزمة السورية خصوصا أن مجموعات لا بأس بها استخدمت هذه التسمية على امتداد عام، علما أنها ظهرت سابقا في عام 2004 من قبل أطراف متعددة أيضا وذات ميول سياسية متباينة.
ويبدو اليوم ان هذا "التيار" وضع نفسه داخل قوى "المعارضة عبر البرامج" من خلال دخوله في إئتلاف التغيير السلمي، ليجتمع مع حزب الإرادة الشعبية و السوري القومي الاجتماعي، في محاول للتأثير على المعادلة السياسية عبر الانتخابات التشريعية، فمنذ إطلاق بيانه الأول كان هناك صورة واضحة لموقف من الحدث وتوصيف للحول التي تبعت أكثر من كونه طرحا للحول، وبالتأكيد فإن المراحل المبكرة للأزمة التي انطلق خلالها التيار ربما لم تكن تتيح إيضاح مسار لتجاوز الحلول المطروحة من الدولة أو حتى المعارضة، في المقابل فإن بيان إئتلاف التغير السلمي الذي يضم التيار الثالث يقدم مؤشرات إضافية على أن الشريحة المستهدفة من قبل التيار ربما لا تختلف عما تستهدفه الأحزاب الباقية وهي أحزاب إيديلوجية لا يمكن ان تمثل تيارا ثالثا بالمفهوم حتى ولو وقفت اليوم بين في مساحة مختلفة عن "الموالاة" و "المعارضة" كما طرحتها الأزمة السورية.
ويبدو الشكل السياسي الذب تبلور، عبر البيانات على الأقل، أن التيار الثالث وليد أزمة أكثر من كونه "حركة" يمكنها التحرك رغم كل التطورات، وهذا الأمر يصادفنا عند أي بحث في "الموقع الثالث"، وعلى الأخص خلال مرحلة الحرب الباردة، أو في الصراعات الحادة ولو على المستوى الاقتصادي، كما حصل على سبيل المثال لـ"الطريق الثلث" الذي طرحه توني بلير ووصل به إلى رئاسة الوزراء في بريطانية، لكنه في الواقع أنها مسيرة حزبه السياسية بدلا من أن يفتح آفاقا جديدة.
يملك التيار الثالث بريقا ابتداء من التسمية ووصولا لإمكانية إيجاد رؤية، وهو ما يدفع لتحديد مهمة "العدد ثلاثة" داخل المصطلح السياسي، لأنه ليس موقعا جديدا على صعيد الصراع بين طرفين، بل القدرة على التحرر من آلية الصراع القائمة إلى إيجاد بدائل تغذي كافة الأطراف برؤى مختلفة، فالتيار الثالث في دول الاسكندنافية ليس برنامجا اقتصاديا بل هو أيضا قدرة على رسم التوازنات ما بين القوة الأوربية من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى، والتيار الثالث الذي طرحته الهند ويوغوسلافيا ومصر وسمي دول عدم الانحياز كان من المفترض أن يقود إلى دور يماثل ما قامت به الهند كقوة مستقلة وقادرة على تجاوز الصراع الصيني الروسي في البداية ثم جملة الصراعات التي أحاطت بها.
حتى يأخذ "الموقع الثالث" معنى عميق فربما علينا القفز عن طبيعة الأزمة الحالية، والبحث في اتجاهات ستبدو ربما أكثر صعوبة أو حتى غرابة....