في بداية العام أصبح الحديث عن سورية كـ"عقدة طاقة" أمرا مألوفا، وظهرت خرائط وتقارير تتحدث عن "الصراع" على الغاز وخطوط الإمداد باتجاه أوروبا، وبالتأكيد فإن هذا العامل لا يمكن حذفه من الأمة السورية، لكن الأمر الأساسي هو أن البحث عن سورية كـ"عقدة للطاقة" جاء في إطار تفسير الموقفين الروسي والصيني من الأزمة، وهو ما يؤكد "حدة الصراع" القائم، أكثر من كونه "تفكيكا" لمعطياته من أجل الدخول إلى حل للأزمة.

ما حدث منذ أول فيتو أمريكي – صيني هو رفع الأزمة السورية إلى مستوى "الصراع الجيوبولتيكي"، وهذا الموضوع يتضح بشكل سريع مع طبيعة التحركات الروسية أو الأمريكية تجاه الحدث السوري، إلا أن المهم هنا هو التحول في الساحة السياسية السورية، فمن المفترض مع وضع الأزمة السورية في مستوى استراتيجي مرتفع أن تظهر توجهات سياسية جديدة، فحجم التورط الدولي يدفع، أو هذا هو المفترض، بأطراف الأزمة لتبني خيارات تستوعب مخاطر صراع طويل الأمد وحاد جدا على المستوى الدولي حول سورية، وما جرى كان معاكسا تماما لهذا الاحتمال، فالمعارضة تحديدا تعيش أزمة رؤية نتيجة انهيار سيناريوهات "إسقاط النظام".

في مسالة "عقدة الطاقة" فإن هذا الأمر يبدو أقدم مما نعتقد، ويكفي التذكير بما انتجه الصراع على "خط التابلاين" من تحولات في سورية قادت لأول انقلاب عسكري، وهو يخرج أيضا عن إطار البحث في تغيير ما يمكن أن نسميه "الجغرافية الحرجة"، لكن هذه الجغرافية تتطلب ردود فعل مختلفة تماما عما واكبناه على امتداد أكثر من عام، فمسائل الديمقراطية والتعددية كان من المفترض أن توضع في إطار تحديد الملامح السوري القادمة، وليس كأدوات لكسر السيادة بما يساهم في تحكم الآخرين بهذه "العقدة".

عمليا فإن رؤية المعارضة لشعاراتها ماتزال تحمل نفس القدر من "البراءة" إن صح التعبير، فهي تعميم لنموذج من المفترض أن يؤدي إلى تفكيك كافة الأزمات، فما يمكن أن نطلق عليها "قوى التغيير" ترى في الوضع الراهن "مناسبة" لاستخدام كافة الأوراق من أجل الضغط على السلطة، ولكن السؤال هل بالفعل نملك معادلة اعتيادية لممارسة الديمقراطية ثم يستطيع السوريون أن يحلوا مشاكلهم بالتشاور؟

اللحظة الراهنة لا تملك فقط انقساما بالمواقف، بل أيضا عدم القدرة على تفكيك العوامل الاستراتيجية التي جعلت الصراع بهذا الشكل، فالبحث عن الحرية والديمقراطية لا يمكن أن يحدث وسط تجاهل متعمد، وعلى الأخص من النخب السياسية مهما كان موقعها من ربط الحلول المستقبلية باستراتيجية "السيادة السورية".

انهارت الديمقراطية في سورية في أول صراع على الطاقة، واليوم هناك سعي لانهيار "السيادة" نتيجة تجدد الصراع ولكن على "عقدة" دولية للطاقة، فهل يمكن للخطاب السياسي السوري ان ينتقل من مستوى مناقشة الحدث إلى سوية البحث في تفكير سياسي مختلف؟!