إن حدة الاستقطاب الذي فرضته القمة داخل الدوحة من خلال "الائتلاف السوري"، هو ليس استقطابا داخليا سورية، لأن الحرب في سورية مهما تم وضعها في إطار الحرية والديمقراطية لكنها تجاوزت هذه الحدود، وهي تعكس تصفية حسابات إقليمية بالكامل، والاحتفاء بـ"الائتلاف" هو قطع لكل الطرق نحو إيجاد توازن إقليمي يضمن على الأقل سيادة الدول ومصالح شعوبها.
بدأت وانتهت وقدمت صورة عن اغتراب حقيقي، فالقمة العربية في الدوحة ليست أسوء من غيرها، لكنها تجاوزت مساحة سياسة وأغفلت احتمالات الحرب الإقليمية التي تخيم على الشرق الأوسط، وربما أكثر من ذلك فهي دخلت طرفا في هذه الحرب، بعد ان كانت طوال تاريخها تعبر عن جناحين متناقضين في الرؤيا لكنهما يحاولان خلق تهدئة ولو على حساب حسم الخلافات.
عمليا فليس خرق ميثاق الجامعة هو أخطر ما قامت به قمة الدوحة، لأنها قفزت في احتمالات المستقبل، والقادة الذين اجتمعوا ووافقوا على البيان الختامي وعلى السيناريو الذي رتبته قطر ربما عليهم تذكر أمرين:
– أولا إن حدة الاستقطاب الذي فرضته القمة داخل الدوحة من خلال "الائتلاف السوري"، هو ليس استقطابا داخليا سورية، لأن الحرب في سورية مهما تم وضعها في إطار الحرية والديمقراطية لكنها تجاوزت هذه الحدود، وهي تعكس تصفية حسابات إقليمية بالكامل، والاحتفاء بـ"الائتلاف" هو قطع لكل الطرق نحو إيجاد توازن إقليمي يضمن على الأقل سيادة الدول ومصالح شعوبها.
– الثاني إن المواجهة الدولية بخصوص الأزمة سورية هي حقيقية وليست مجرد حسابات سلطوية داخل النظام العربي، وعمليات الاستقطاب والعزل التي قامت بها الجامعة تساعد في أمر واحد هو زيادة حدة المواجهة، وللتذكير فإن سورية جغرافيا على الأقل لن تدع باقي الدول بمعزل عن أي مواجهة إقليمية قادمة، فهناك منظومة تريد الجامعة إزاحتها، منطومة قومية بالمعنى الإيديلوجي، لكنها منظومة توازن حقيقية ساعدت في تخفيف التوتر حتى في دول الخليج العربي.
القمة العربية في الدوحة ربما أرادت الدخول إلى التكوين القادم للشرق الأوسط، لكنها تتعامل مع سيناريوهات خطرة فنحن لسنا أمام حرب باردة جديدة، بل في مواجهة عالم تتبدل مصالحه بشكل سريع، ودول "كبرى" وليست "عظمى" تمنع المواجهات المحتملة، فالمنظومات العالمية اليوم تتداخل بشكل غير متسق كما كان يحدث خلال الحرب الباردة، وعدم إدراك مخاطر الحرب الإقليمية سيدخل المنطقة بأكملها في صراع لن يستثني أحدا.
الرؤية العربية كما ظهرت في مؤتمر الدوحة لا تنظر إلا عملية "رسم الخرائط" السياسية على أنها تجاوز لكل المألوف السياسي، وأنها في المقابل ستغيير معادلات كاملة وليست مجرد إسقاط نظام سياسي، فـ"التهالك" السياسي الذي عصف بالدول من تونس إلى السودان ومرورا بمصر واليمن وانتهاء بسورية هو في النهاية سيشكل اختراقا لباقي الدول التي تعتقد أنها ترسم منظومة مختلفة، ولكن في العمق فإنها عاجزة عن رسم أي تصور لهذه المنظومة سوى كونها جزء من تحالفات قديمة أو مساحة لسوق "الطاقة" ولأنابيب الغاز.