شكرًا لكم (تصفيق). شكرا جزيلا لكم. أشكركم. وشكرا للجنرال كاسلين على هذا التقديم. ...
.. .. .. .. .. ..
...عندما تحدثتُ للمرة الأولى في وست بوينت في العام 2009، كان لا يزال لدينا أكثر من 100 ألف جندي في العراق. وكنا نستعد لزيادة أعداد قواتنا في أفغانستان. كانت جهودنا لمكافحة الإرهاب متركزة على القيادات الأساسية لتنظيم القاعدة – أولئك الذين نفذوا هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. وكانت أمتنا في بداية طريق طويل للخروج من أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد العظيم.
وبعد مرور أربع سنوات ونصف، وفيما نشهد تخرجكم، تغيّر المشهد. فقد سحبنا قواتنا من العراق. وهدأت وطأة حربنا في أفغانستان. ودُمرت قيادات تنظيم القاعدة في المنطقة الحدودية بين باكستان وأفغانستان، وأسامة بن لادن لم يعد له وجود. (تصفيق) وخلال كل ذلك، أعدنا تركيز استثماراتنا في ما يعتبر دائمًا مصدرًا رئيسيًا للقوة الأميركية، وهو: اقتصاد متنام يمكن أن يوفر فرصة لكل من هو على استعداد للعمل بجد ودأب وتحمل المسؤولية هنا في الوطن.
في الواقع، وبمعظم المقاييس، فنادرًا ما كانت أميركا أقوى بالنسبة إلى بقية العالم مما هي عليه في الوقت الراهن. وأولئك الذين يقولون خلاف ذلك– ويظنون أن أميركا في تراجع، أو يرون أن قيادتها للعالم تتضاءل– فإنهم إما يقرأون التاريخ قراءة خاطئة أو يمارسون التحزّب السياسي. فكّروا في الأمر مليًا. فقواتنا المسلحة ليس لها نظير. واحتمال وقوع تهديد مباشر ضدنا من قبل أي دولة، هو احتمال منخفض ولا يقترب من الأخطار التي واجهناها خلال الحرب الباردة.
وفي الوقت نفسه، لا يزال اقتصادنا هو الأكثر حيوية ونشاطًا على وجه الأرض؛ وشركاتنا هي الأكثر ابتكارًا وإبداعًا. وكل عام، نصبح أكثر استقلالية في قطاع الطاقة. ومن أوروبا إلى آسيا، نشكّل محورًا لتحالفات لا مثيل لها في تاريخ الأمم. ولا تزال أميركا تسعى جاهدة لجذب المهاجرين. إن القيم التي تأسست عليها بلادنا تلهم القادة في البرلمانات والحركات الجديدة في الساحات العامة في جميع أنحاء العالم. وعندما يضرب إعصار بلدًا كالفلبين، أو تتعرّض طالبات المدارس في نيجيريا للخطف، أو يحتل رجال ملثمون مبنى في أوكرانيا، يتطلع العالم إلى أميركا للحصول على المساعدة. (تصفيق) ولذا، فإن الولايات المتحدة هي الأمة التي لا غنى عنها، وستظل كذلك. ولقد كان ذلك صحيحًا في القرن المنصرم، وسوف يكون ذلك صحيحًا في القرن القادم.
ولكن العالم يتغير بوتيرة متسارعة. وهذا يوفر الفرص، وإن كان يُبرز أيضًا مخاطر جديدة. ونحن نعرف جيدا، بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، كيف وضعت التكنولوجيا والعولمة القوة التي كانت مخصصة في وقتٍ ما للدول في أيدي الأفراد، مما رفع قدرة الإرهابيين على إحداث الضرر. وعدوان روسيا تجاه دول الاتحاد السوفييتي السابق يخيف العواصم الأوروبية، في حين أن النهضة الاقتصادية والعسكرية للصين تثير قلق جيرانها. ومن البرازيل إلى الهند، تتنافس معنا الطبقات المتوسطة المتنامية، والحكومات تسعى لدور أكبر في المحافل العالمية. وحتى فيما تتبنى الدول النامية كلًا من الديمقراطية واقتصادات السوق، فإن الأخبار الواردة على مدار اليوم ووسائل الإعلام الاجتماعية تجعل من المستحيل تجاهل استمرار الصراعات الطائفية والدول الفاشلة والانتفاضات الشعبية التي قد تحظى فقط بإشعار إخباري سريع إذا حدثت قبل جيل واحد.
وستكون مهمة جيلكم الاستجابة لهذا العالم الجديد. والسؤال الذي نواجهه، السؤال الذي سيواجهه كل واحد منكم، ليس ما إذا كانت أميركا سوف تقود، ولكن كيف سنقود- ليس فقط لتأمين السلام والازدهار لنا، ولكن أيضًا لنشر السلام والرخاء في جميع بقاع العالم.
والآن، هذا السؤال ليس جديدا. على الأقل منذ أن كان جورج واشنطن القائد الأعلى للقوات المسلحة، كان هناك أولئك الذين حذروا من الانخراط على المستوى الخارجي في ما لا يتعلق مباشرة بأمننا أو رفاهيتنا الاقتصادية. واليوم، وفقا لمن يصفون أنفسهم بالواقعيين، فإن الصراعات في سوريا أو أوكرانيا أو جمهورية أفريقيا الوسطى ليس لنا فيها ما يخصنا لكي نحلها. وليس من المستغرب، بعد حروب مكلفة وتحديات مستمرة هنا في الداخل، أن هناك العديد من الأميركيين من يشارك هذا الرأي.
وثمة وجهة نظر مختلفة من مؤيدي التدخل سواء من اليسار أو اليمين، تقول إن تجاهلنا هذه الصراعات أمر ينذر بالخطر، وإن استعداد أميركا لاستخدام القوة في جميع أنحاء العالم هو الضمانة النهائية ضد الفوضى، وأن فشل أميركا في التصرف في مواجهة الوحشية السورية أو الاستفزازات الروسية لا يخالف فقط ضمائرنا، وإنما يدعو إلى تصاعد العدوان في المستقبل.
ويمكن لكل طرف الإشارة إلى التاريخ لدعم مزاعمه. بيد أنني لا أعتقد أن أيًا من الرأيين يستجيب تماما لمطالب هذه اللحظة. وصحيح تماما أن انعزال أميركا في القرن الــ 21 ليس خيارا. ليس لدينا خيار لتجاهل ما يحدث خارج حدودنا. فإذا لم تكن المواد النووية مؤمّنة فإن هذا يشكل خطرًا على المدن الأميركية. وفيما تمتد آثار الحرب الأهلية السورية عبر الحدود، فإن قدرة الجماعات المتطرفة التي صقلتها المعارك القتالية لتؤذينا إنما ستزداد فقط. وأي عدوان إقليمي يمر دون رادع- سواء في جنوب أوكرانيا، أو بحر الصين الجنوبي، أو في أي مكان آخر في العالم- سوف يؤثر في نهاية المطاف على حلفائنا ويمكن أن يستدعي تدخّل جيشنا. لا يمكننا أن نتجاهل ما يحدث خارج حدودنا.
وبعيدًا عن هذه المبررات والتفسيرات الضيقة، أعتقد أن لدينا مصلحة حقيقية، ومصلحة ذاتية مُلزمة، في التأكد من أن أبناءنا وأحفادنا سيكبرون في عالم لا تُختطف فيه طالبات المدارس ولا يُذبح فيه الأفراد بسبب الانتماء إلى القبيلة أو العقيدة أو التوجه السياسي. وأعتقد أن عالمًا زاخرًا بقدر أكبر من الحرية والتسامح ليس فقط واجبًا أخلاقيًا، وإنما سيساعدنا في الحفاظ على سلامتنا.
ولكن أن نقول إن لدينا مصلحة في السعي لتحقيق السلام والحرية خارج حدودنا لا يعني أن كل مشكلة لها حل عسكري. فمنذ الحرب العالمية الثانية، لم تأتِ بعض أخطائنا الأكثر كلفة من محاولتنا للاستجابة، وإنما من رغبتنا في الاندفاع في مغامرات عسكرية دون التفكير في العواقب- ودون بناء الدعم الدولي والشرعية لتصرفنا؛ ودون مواجهة الشعب الأميركي بالتضحيات المطلوبة. والكلمات القوية غالبًا ما تجتذب عناوين الصحف، ولكن نادرا ما تتوافق الحرب مع الشعارات. وكما قال الجنرال أيزنهاور، وهو شخص لديه معرفة بهذا الموضوع اكتسبها بجهد جهيد، في هذا الحفل في العام 1947، "إن الحرب هي الحماقة الأكثر مأساوية وغباءً التي ترتكبها البشرية؛ والسعي نحوها أو التشجيع عليها بالاستفزاز المتعمد إنما هو جريمة سوداء ضد البشرية جمعاء."
... ... ...
اسمحوا لي أن أوضح نقطة أخيرة حول جهودنا المبذولة ضد الإرهاب. إن الشراكات التي ذكرتها لا تلغي الحاجة إلى اتخاذ إجراءات مباشرة عندما يكون ذلك ضروريا لحماية أنفسنا. فعندما يكون لدينا معلومات استخباراتية تستدعي اتخاذ إجراءات، فإن هذا ما نفعله– فمن خلال عمليات إلقاء القبض والأسر مثل تلك التي تم فيها إحضار الإرهابي الذي شارك في مؤامرة التفجير الذي طال سفاراتنا في العام 1998 وتقديمه لمواجهة العدالة؛ أو الضربات التي تقوم بها الطائرات بدون طيار مثل تلك التي نفذنا في اليمن والصومال. وحينما يأتي الوقت الذي تكون فيه تلك الإجراءات ضرورية، فإننا لا ولن نتردد في حماية أبناء شعبنا.
ولكن كما قلت في العام الماضي، إننا حين نقوم باتخاذ إجراءات مباشرة، يجب علينا أن نتمسك بالمعايير التي تجسد قيمنا. وهذا يعني شن الضربات فقط عندما نواجه بتهديد مستمر ووشيك، وفقط حينما يكون هناك يقين –شبه يقين من عدم وقوع إصابات بين المدنيين. لأن أعمالنا ينبغي أن ترتقي إلى مستوى اختبار بسيط: وهو أنه يتوجب علينا عدم خلق أعداء أكثر ممن نقوى على قهرهم في ساحة المعركة.
وإنني أعتقد أيضًا أننا يجب أن نكون أكثر شفافية بشأن الأساس الذي تقوم عليه إجراءاتنا في مجال مكافحة الإرهاب، والطريقة التي ننفذها بها. إنه يتعين علينا أن نكون قادرين على شرح هذه الإجراءات علنًا وعلى الملأ، سواء كانت ضربات بالطائرات بدون طيار أو عمليات تدريب الشركاء. وإنني سألجأ بشكل متزايد إلى قواتنا العسكرية في أخذ زمام المبادرة وتقديم المعلومات للجمهور بشأن الجهود التي نبذلها. لقد قامت أجهزة الاستخبارات لدينا بعمل متميز، وعلينا الاستمرار في حماية المصادر والأساليب. ولكننا عندما لا نستطيع أن نفسر الجهود التي نبذلها بوضوح وعلنًا، عندها سنقابل بالدعاية الإرهابية والشكوك الدولية، وسوف نتسبب في تآكل الشرعية مع شركائنا، وشعبنا، وننتقص من المساءلة في حكومتنا.
ومسألة الشفافية هذه ذات صلة مباشرة بجانب ثالث من جوانب الدور القيادي لأميركا، وهو الجهد الذي نبذله لتعزيز وتطبيق النظام الدولي.
فبعد الحرب العالمية الثانية، كانت لدى أميركا الحكمة التي مكنتها من تشكيل المؤسسات اللازمة للحفاظ على السلام ودعم التقدم البشري– من منظمة حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة، للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. هذه المؤسسات ليست مثالية، ولكنها كانت ولا تزال تمثل عاملا مضاعفا من عوامل القوة. إنها تقلل الحاجة إلى اتخاذ إجراء أميركي منفرد، وتزيد من القدرة على ضبط النفس بين الدول الأخرى.
والآن، فإنه مثلما تغير العالم، يجب أن يتغير هذا الأسلوب كذلك. ففي ذروة الحرب الباردة، تحدث الرئيس كنيدي حول الحاجة إلى التوصل إلى سلام يقوم على، "التطور التدريجي للمؤسسات البشرية". وتطور هذه المؤسسات الدولية لترقى إلى مستوى تلبية مطالب اليوم يجب أن يكون جزءًا هامًا من الدور القيادي الأميركي.