في حواره مع قناة العربية الإخبارية، أعاد السيد تييري ميسان الذاكرة إلى أحداث 11 سبتمبر 2001، ودور ما يعرف ب " القاعدة " ونظريات المحافظين الجدد حول ما يسمى ب
" خطر الإرهاب الإسلامي الدولي". كما أعرب أيضا عن رؤيته لأبعاد عملية اغتيال الحريري وعلاقتها بما عرف ب "ثورة السدر" وما قد يترتب عليها من تهديدات لكل من إيران وسوريا. السيد ميسان يؤكد على ارتباط عملية الاغتيال وتبعاتها بما خطط له ديفيد ساترفيلد بوزارة الخارجية الأمريكية، مع اليوت ابرامس بمجلس الأمن القومي. هذه المخططات التي تندرج في سياق ضربات جهاز الاستخبارات السي آي ايه، واللجنة الأمريكية من أجل لبنان حر المسيرة من طرف زياد عبد النور.
– العربية:
لقد بدأتم في تحقيقات صحفية حول أحداث 11 سبتمبر، كما ألفتم كتبا كان أشهرها كتاب
" الخدعة الرهيبة". ماهي النتائج التي توصلتم إليها خلال الأشهر القليلة؟ وهل هناك عناصر جديدة تكشف مزيدا من الضوء حول هذه الأحداث؟ والتصريحات المتتالية لبن لادن التي تبنى فيها التفجيرات، ألا تشكل تفنيدا لما خلصتم إليه في تحقيقاتكم؟
– تييري ميسان:
تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر ماهي إلا نقطة البداية لسياسة كانت معدة سلفا ومنذ زمن بعيد، والتي تشهد كل يوم تطورات. عملي تركز على هاته السياسة في مجملها. لم يكن اهتمامي بالتفجيرات في حد ذاتها، لكن عملت على فهمها لأنها تشكل القاعدة التي انبنت عليها كل السياسة التي أتحدث عنها.
في غضون السنوات الثلاثة الماضية، جمعنا كمية معتبرة من المعلومات بشأن التفجيرات، لكن ليس بشكل تتراكم فيه التفاصيل. كل هذه المعلومات منسجمة مع الطرح الذي طرحت، ونادرا ما تتوافق مع الرواية الرسمية الأمريكية. وبعض هذه المعلومات مثير للدهشة، كتلك مثلا التي توقعت فيها الإدارة العسكرية للولايات المتحدة سيناريو تجيب فيه عما يجب فعله في حالة إذا اصطدمت طائرة بالبنتاغون؟ وقد تم توقع هذا السيناريو صبيحة الحادي عشر من سبتمبر. هذا السيناريو كان أشير إليه من قبل ضابط في الطيران العسكري عدة أشهر قبل وقوع الحادث، ومن غريب الصدفة أن الضابط الذي كان يقود الطائرة التي ارتطمت بمبنى البنتاغون هو نفس الضابط حسب الرواية الرسمية، هذه الطائرة التي لم نجد لها أي أثر.
آخرون أمثال برونو كاردينوزا في اسبانيا، أو ميشال روبرت في الولايات المتحدة كانوا قد نشروا أعمالا كاملة حول هذه المعطيات. ومن جانبه البيت الأبيض أنشأ لجنة تحقيق مستقلة تابعة للكونغرس. استمعت هذه اللجنة إلى جلسات كان من أهمها الجلسات المغلقة. وقد عرضت تقريرا في النهاية اقل ما يقال عنه انه تقريرا أدبيا ولم يكن تقرير بحث جاد. البروفيسور ديفيد راي غريفان كان بدوره قد وجه دراسة مهمة، حيث عرض فيها لأهم الأسئلة التي يطرحها الناس، والتي تجنبت
" لجنة الكونغرس المستقلة" الرد عليها. الأمر يتعلق إذن بعمق المعلومات المعروضة، وانه وبعد ثلاثة سنوات على الأحداث لم تتمكن السلطات في الولايات المتحدة من إعطاء رواية وحيدة وذات مصداقية لما جرى. الجدول الزمني المطروح من قبل اللجنة الرئاسية، يختلف عن ذلك الذي وضعته لجنة الكونغرس. لم تعطى تفسيرا أوضح لأهم النقط إلى حد الآن. لا ندري إلى اليوم كيف أن مكتب التحقيقات الفدرالية حرر قائمة أسماء المختطفين المتهمين، ولم يعرض شهادات وفاتهم، ونحن نعلم أن هؤلاء لم يكونوا موجودين على لائحة المسافرين المقلين للطائرة، وأنهم لازالوا على قيد الحياة.
مثال آخر: لجنة من المهندسين كانت قد عرضت تقريرا تشرح فيه أن عملية انهيار العمارة رقم 7 من عمارات مبنى التجارة العالمية بعد الزوال، كانت بسبب اضطراب قواعد ها من جراء الهزات الارتدادية التي خلفتها صدمة انهيار برجي مبنى التجارة العالمي في الصباح. لكن مالك العمارة كان قد صرح للتلفزة انه هو من أعطى الأوامر بهدمها حتى لا تسقط على باقي العمارات.كان قد صرح أيضا أن هذه العمارة كانت مفخخة وأنه كانت ثمة متفجرات قد زرعت في مقدمتها، و أن السلطات الأمريكية هي التي فعلت هاته المتفجرات.
القائد العسكري " جيمي والتر" مهندس معماري في نفس الوقت، كان قد عرض مكافأة واحد مليون دولار لمن يعطي تفسيرا علميا مقبولا ومتوافقا مع الرواية الرسمية لظاهرة سقوط برجي مبنى التجارة الدولية بهذه السرعة. لا أحد تمكن من الحصول على هذه المكافأة، حتى من الموظفين الذين اخترعوا الرواية الرسمية.
وفي عملية لسبر الآراء قام بها مركز "زوغبي" الدولي، عرض فيها أن أكثر من نصف سكان ولاية نيويورك لا يثقون في الرواية الرسمية، ويعتقدون على الأقل أن إدارة بوش كانت تعلم مسبقا، وأنها وبطرقة متعمدة تركت المجال لحدوث الجريمة.
أما عن أسامة بن لادن، فلا أحد يعرف ما دوره في هذه الأحداث. صحيح أنه قد اتهم بهذه التفجيرات، وأنه قد تبناها فعلا، لكن ليس هناك أية أدلة قطعية تثبت علاقته بالتفجيرات. ولا دليل! جورج بوش صرح لنا انه سيقوده إلى العدالة. بل وقد حاول إقناعنا أن الحرب التي شنها على أفغانستان كانت من أجل توقيفه. لكن ماذا بعد؟ لا شيء. وليس لدينا حتى اليقين بأنه على قيد الحياة، رغم أن صوته وصورته يظهران على شاشة التلفزة من اجل تبني أي شيء.
في شهر جانفي 2005، صرح المسئول الثاني في جهاز الاستخبارات الروسية " ك.جي.بي" أنه يجب التوقف عن هذه المهزلة، وأن الاستخبارات الدولية تعلم أن بن لادن ماهو إلا عميل لجهاز المخابرات الأمريكية "سي آي ايه"، وليس منذ عشرين سنة، بل منذ القديم. بل بالعكس إذا جئتم إلى تقييم حصيلة ما أنجزه بن لادن، فهو لم يحقق سوى إعطاء صورة دموية عن الإسلام، كما أنه عمل على تبرير كل مخططات الإمبريالية الأمريكية بقيادة نشطائها من المحافظين الجدد.
– العربية:
ماهو في تصوركم المصير الذي ينتظر كل زعماء تنظيم القاعدة وحركة طالبان؟ مع العلم أن أغلبهم مازالوا أحرارا ولا ندري أين هم؟
– تييري ميسان:
كما كتبت دائما من قبل، القاعدة ليست حركة منظمة. هي اسم لعدة واجهات، هذا الاسم الذي من خلاله تعمل الولايات المتحدة على الربط بين هاته الواجهات. انه من السذاجة أن ننسب إلى نفس الشخص هجوما على البنتاغون وتفجيرا بالقنبلة لملهى ليلي بمدينة بالي.
إذا رغبنا في الحديث عن تنظيم أسامة بن لادن، فان ما نعرفه عنه حتى الآن ليس شيئا مكتملا. في مؤتمر صحفي عقد في جانفي 2001، أسمع السيد رامسفيلد العالم أن بن لادن يستعد لإطلاق قمر صناعي انطلاقا من أفغانستان. وأثناء الحرب على أفغانستان عرت صحيفة التايمز البريطانية صورا ومخططات للمخابئ الأرضية التي كان يستعملها بن لادن، كانت عبارة عن أشباه مدن حقيقة. كل الصحافة الغربية آنذاك نقلت هذه الصور، لكن عندما تمت الحرب على أفغانستان تبين لنا أنه ليس ثمة أية قواعد فضائية، ولا مركبات تحت أرضية. كان هناك فقط مبان من الطوب والهشيم.
أما عن طالبان، فهي حركة بائسة هي الأخرى. طالبان جماعة ناشزة وظلامية. لكنها لم تهاجم الولايات المتحدة. الشيء الذي لا يعطي الحق أبدا في شن الحرب عليها. كان يجب فعلا قلب نظام طالبان، لكن ليس بردم الشعب بالقنابل. وطالبان اليوم تكاد تكون قد ذابت في المجتمع الباكستاني والأفغاني ولا أحد يعتبرها كمشكلة.
وفي المقابل، هناك في تصوري تيار فكري إسلامي متطرف، يعظم من مفاهيم الصراع والصدام والخلط بين اليهود والصهيونية، بين المسيحية والصليبية. انه تيار خطير لأن تقديراته وتحاليله خاطئة، وهي تؤدي إلى تضليل الشباب والى حرفهم إلى اعتماد طرق وتصرفات عقيمة ومهينة. يجب الرد على هذا النوع من الطروحات، وذلك باقتراح أفكار أكثر ملاءمة وأكثر نبلا، وليس بمواجهة العنف بالعنف.
– العربية:
بعض المحللين السياسيين انتقدوك بشدة، متهمين إياك بالسقوط في فخ " نظرية المؤامرة"، وأن كتابك ماهو في الحقيقة إلا تجميع لفرضيات لا أساس لها. لماذا لا تجيبهم؟
– تييري ميسان:
هناك بعض الفرنسيين الذي حملوا على حسابهم الشتائم الموجهة ضدي، مثل دانيال بايبس في الولايات المتحدة، والذي يتهمني بالاستسلام لنظرية " المؤامرة"، وبأنني أثرت نرجسية العالم العربي المتخلف، والذي يرمي على الغرب كل مسئولية فشله. انه العالم بطريقة معكوسة. ما نسميه في السوسيلوجيا ب" نظرية المؤامرة" هو الية فكرية تسمح لنا بفهم الأحداث من وجه واحد فقط متخفي وغير قابل للبحث.
الأنظمة الفاشية استخدمت نظرية المؤامرة من أجل التهرب من مسئولياتها، ومن أجل ترويع قطاعات كبيرة من الشعوب. على سبيل المثال، في عهد الحكم الملكي الثالث في ألمانيا، اعتمد هذا الأخير على ترويج فكرة أن اليهود هم سبب كل المشاكل، وبعدها قام باضطهادهم وانتهى بالقضاء عليهم. وعن نفسي، أنا لا أبحث عن تفسير كل أوجاع الأرض بإعادتها إلى مسئولية الآلة العسكرية – الصناعية الأمريكية. لكن في المقابل فان إدارة بوش تسعى إلى تبرير كل التفجيرات في العالم باعتماد نظرية " المؤامرة الإسلامية الدولية". عندما يحدث خلل في توزيع الكهرباء، فان الحكومة الأمريكية لا ترجع ذلك إلى همجية تحرير الصناعة، لكن تقول إن سبب هذه المشكلة هو بن لادن.
وعندما يقاوم الشعب العراقي الاحتلال، لا يقولون إن هذا الشعب يقاوم من اجل استقلاله، لكن الخطأ يعود إلى بن لادن...الخ.
وفي نفس السياق، لا أفهم التأكيد على أن العالم العربي يتلذذ بنظرية " المؤامرة"، وبأنه استغل تحقيقاتي من أجل التملص من إخفاقاته. أولا العالم العربي عالم شاسع ومتعدد، ويجب أن نكون جهلة حتى لا نرى الفروق بين المغرب والإمارات العربية المتحدة. ثانيا أعمالي وتحقيقاتي لاقت ترحيبا ليس في العالم العربي فحسب، بل في العالم بأسره. وقد قيل لي أيضا أن أعمالي رحب بها في أمريكا اللاتينية لأن سكان أمريكا اللاتينية عانوا كثيرا من نظرية الأمريكي الأبيض "اليانكي" وكانوا ضحية لسياساته.
نفس الكتاب يتهموني باني قزمت من حجم الخطر الإسلامي، وبتنويم حذر الإنسان الغربي. صحيح هناك خطر يمثله بعض المتطرفين المسلمين، لكن الإسلام لا يشكل خطرا، الإسلام دين تسامح. والغرب في خطر ليس بسبب بعض المتطرفين المسلمين الذين يهددونه من الخارج، لكن بسبب قبوله في الداخل زعامة المحافظين الجدد التي تدفعه إلى مزيد من الجرائم. لا أتصور أن الغير يمكن أن يكونوا سبب أخطائنا. لا أعتقد في مفهوم " المؤامرة الإسلامية العالمية". اعتقد انه يمكننا العيش معا وفي سلام، ومن أجل هذا أنا أناضل.
– العربية:
هل لازلتم تتلقى تهديدات بالموت؟ ما هي حقيقة الأخطار التي تهدد حياتكم؟ وهل هذا يدفعكم إلى الرجوع عن طروحاتكم؟
– تييري ميسان:
لقد صار من المتأخر لأوانه عن الرجوع إلى الوراء
– العربية:
بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، صار كل ما هو إسلامي شيء مخيف، وتعرضت الجالية المسلمة في فرنسا، ألمانيا، هولندا إلى كثير من المضايقات. ألا تعتقد أن هذه المضايقات ماهي إلا امتداد لسياسة الولايات المتحدة تجاه المسلمين، غير أنها هذه المرة تساق من طرف أوروبا؟ ولماذا في نظركم؟
في دراسة مستقبلية تقدم بها البنتاغون، وقد حررت من طرف بول فولفوفيتز وبطلب من ديك تشيني بعيد حرب الخليج. في هذه الدراسة إشارة إلى أن الولايات المتحدة ستعمل على ضمان دعم اقتصاديات أوروبا وضمان توفير الطاقة من العالم العربي. ومن أجل الهيمنة علينا كلنا، يجب إحداث الانقسامات والخلافات بيننا. ومن اجل تحقيق هذا الغرض، عمل الكثير من استراتيجيي المحافظين الجدد أمثال: برنارد لويس، صموئيل هانتنغتون وآخرون على استفزاز مفاهيم " صدام الحضارات" وعملوا على محاولة إقناعنا بأن ذلك حتمية لا مفر منها. ولهذا تعمل الولايات المتحدة اليوم كل ما من شأنه تأجيج التوتر الذي يجعل العيش الجماعي مستحيلا بين الشعوب وبالتالي حملها على الانفصال عن بعضها البعض.
وفي فرنسا، مسئول سياسي حليف للولايات المتحدة وإسرائيل، هو من حمل الهيئات الإسلامية بفرنسا على الدخول في مجلس وطني، كما افتعل بعد ذلك كل هذه الحكاية الطويلة عن الحجاب الإسلامي، ولقد وجد تجاوبا عند بعض مواطنينا لكن ليس كلهم. ومهمته حاليا هي إحراج كل سياسات الرئيس شيراك.
– العربية:
كيف تحللون عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري؟ من المستفيد من هذا كله؟ وهل تعتقد أن هذا سينتهي بنزع سلاح حزب الله مستقبلا؟ وكيف تتوقعون المستقبل القريب للبنان؟
– تييري ميسان:
رفيق الحريري كان رجل الإجماع. لقد كان له الكثير من الأصدقاء المعارضين لسوريا، ومع ذلك كان يلعب معهم دور وزير الخارجية الممثل لسوريا. كان يتمتع بعلاقات جيدة مع الكل إلى حد الذي صار يشكل في الرجل اللغز الذي يستطيع تثبيت الأمن في لبنان. عمل على تجميع ثروة شخصية هائلة لكن لا احد اعترض عليه لأنه قدم خدمات عمومية جمة. والذين قتلوا الحريري، قتلوه من أجل زعزعة استقرار لبنان وافتعال الحرب. القتلة إذن ليسوا من يخدمون مصلحة لبنان، وليسوا من يخدم مصلحة سوريا.
منذ 1954، وإسرائيل ترغب في تفكيك لبنان، وتأسيس دولة مارونية وضم باقي الأجزاء إليها. ومنذ عام 2003، والولايات المتحدة تستخدم لبنان كوسيلة ضغط على سوريا من أجل إجبار دمشق على التنازل عن الجولان والتوقف عن دعم المقاومة الفلسطينية. هاتان الدولتان هما الوحيدتان اللتين لهما مصلحة من اغتيال رفيق الحريري. زعزعة استقرار لبنان خطط لها منذمدة طويلة ، ويقف وراءها ديفيد ساترفيلد بوزارة الخارجية الأمريكية، مع اليوت أبرامس بمجلس الأمن القومي. ويعتمد هذان الأخيران على مخططات " اللجنة الأمريكية من أجل لبنان الحر" المنشاة من طرف الاستخبارات الأمريكية، والتي يتزعمها زياد عبد النور.
حاليا، يتم التحضير لعملية انقلاب على الحكومة. هي نفس التحركات التي اعتمدتها الولايات المتحدة في كل من يوغسلافيا، جورجيا، فنزويلا، أوكرانيا، روسيا البيضاء، هاييتي، قرغيستان وزيمبابوي. الناس قد سئمت من الحرب الأهلية ومن اتفاق الطائف. بالنسبة لهم " كفاية!". الجيل الجديد لم يعرف الحرب ولا مبرر لكراهيته للوجود السوري الذي قارب على النهاية. الرغبة في طي صفحة الماضي واستقبال عهد جديد، ظاهرة بشكل قوي في مناسبة اغتيال الحريري، مع أن الحريري لم يكن من الحقبة التي عايشتها الحرب. إنها القطرة التي أفاضت الكأس. نشطاء المنظمات غير الحكومية الأمريكية يعززون هذا الإحساس ويشغلون ساحة الشهداء ببيروت، ويعملون منذ وفاة الحريري على صد كل رغبة جادة للتفكير في مستقبل لبنان.
إنهم يشرحون للناس أن السلطات غير شرعية، ويجب عصيانها. كما يوزعون نتائج سبر آراء سخيفة مفادها أنه لو بقى الحريري على قيد الحياة لكان حصل على أغلبية كبيرة في الانتخابات البلدية، هاته الانتخابات التي لا يقرون بمصداقيتها، اذ كيف يحكمون بعدم نزاهتها قبل حدوثها. إذا استمرت تفاعلات الأزمة على هذه الوتيرة، فان الدولة مهددة بالانهيار خلال الأسابيع القليلة القادمة، والمجتمع اللبناني متخوف من حدوث الكارثة. الولايات المتحدة تناسبها وضعية كهاته لتضع على راس الحكم من يخدم مصالحها.
وضعية كهاته تكشف لنا حقيقة تورط الرئيس حافظ الأسد وراء اغتيالات لشخصيات لبنانية في الماضي، وهذا ما يسمح لنا بكشف المبررات الواهية الرامية لتحميل المسؤولية اليوم للرئيس بشار الأسد عن عملية اغتيال الحريري. من الخطأ تحميله المسئولية للأسد الابن فقط لأن أباه كان وراء اغتيالات مضت. لقد تم استدعاء تدخل مجلس الأمن، وتجريم سوريا، لأن أحد أهداف هذه الحملة هي استخدام لبنان كمدخل إلى سوريا.
وأخيرا، حزب الله كما هو اليوم، هو بيت القصيد، ولايمكن تعديل الموازنات دون حزب الله. حزب الله نجح في الانتخابات البلدية، وهو ممثل في البرلمان وتمكن من جمع مسيرة تعدادها مليون ونصف ببيروت. لكن الصحافة الأطلسية تجاهلت تقدم هذا الحزب، وتستمر في تصويره على أنه حركة إرهابية. حزب الله لا يتبنى حمل السلاح إلى الأبد. انه الحركة التي دافعت عن لبنان في مواجهة إسرائيل، ولن يتخلى هذا الحزب عن لبنان.
حزب الله سيلقي السلاح لن يلقي السلاح إلى أن يتعزز الجيش اللبناني بقدراته ويصير قادرا على الدفاع عن الوطن. وهو لن يتخلى عن البلد عندما يصير مصيره متعلقا ببعض المهاجرين اللبنانيين المرتشين من قبل وزارة الخارجية الأمريكية.
– العربية:
ثمة سؤال كبير يطرح على خلفية الملاحقات التي شملت معظم النشطاء الإسلاميين يتمحور في تجاهل اسم الدكتور حسن الترابي فيما يتعلق بـ 11 أيلول/سبتمبر وما تلاها من أحداث، على الرغم من خلفيات تقاربه مع عدد من المطلوبين حاليا؟
– تييري ميسان:
أنا جد سعيد بسؤالكم هذا، والذي يتردد كثيرا في الصحافة الغربية. حسن الترابي كان النائب الرئيس لأسامة بن لادن في شركته، وقد كان مكلفا بالعلاقات الخارجية. ولم يكن يوما رجلا دبلوماسيا بارعا. لقد استقبل في كثير من الدول حتى لدى الفاتيكان، لهذا فانه من الصعب اليوم تشويه صورته. لا توجد صور لأسامة بن لادن مع زعماء العالم، لكن صورة الترابي مع العديد من الشخصيات كثيرة. في الحقيقة الاثنان لم يعملا إلا على خدمة مصالح واشنطن، خصوصا عندما يصرحون خلافها، لأن الهدف كان تحييد كل مبادرة عربية ضد الإمبريالية الأمريكية.
– العربية:
عندما نحلل النتائج التي بين أيدينا حتى الآن، هل تعتقد أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة ضربة عسكرية ضد إيران؟ وماذا بشأن سوريا؟
– تيري ميسان:
جورج بوش أعلن عن مشروعه "إعادة تشكيل الشرق الأوسط". وعمليا هذا يعني تدمير الدول الحالية، وإعادة صياغة الحدود والحكومات، ومراقبة الشعوب ووضع اليد على البترول والغاز. الولايات المتحدة تغطي مشروعها الاستعماري بلباس " الدمقرطة". ونحن الأوربيون قد ارتكبنا نفس هذه الأخطاء، لكن أجدادنا الأوائل كانوا يتحدثون عن " تمدين " الشعوب التي يحتلونها. لقد فهمنا أخطاءنا، أما الولايات المتحدة فلازالت متأخرة بقرن.
البنتاغون يستعد لمهاجمة سوريا وإيران، لكن السي آي ايه ترى نفسها غير قادرة على قلب حكومتي هذين البلدين بدون اللجوء إلى القوة العسكرية. وفي الحقيقة، البنتاغون متردد، فسوريا ليس لديها مؤهلات الدفاع عن نفسها، لكنها قد تلجأ إلى مهاجمة إسرائيل. إيران قد تملكت قذائف استراتيجية روسية، تمكنها من تفتيت حالمة نفط كبيرة على مجرى الخليج، مما قد يؤدي إلى شل التجارة البترولية والاقتصاد العالمي. هذه القاذفات تمكن أيضا من تدمير حاملة طائرات أمريكية. ومهاجمة إيران وسوريا أمر أكثر صعوبة وتعقيدا من اجتياح بلد أنهكته حربان متتاليتان إضافة إلى حصار اقتصادي دام اثنا عشر سنة.
– العربية:
تتعارض تفاسير وتحليلات الخبراء بشأن الهجمات التي تتعرض لها المملكة العربية السعودية و الكويت. هل هذا يعني أن القاعدة بصدد توسيع ساحة عملياتها إلى دول الخليج؟ وهل تتصور حدوث ضربات بهذه المنطقة تستهدف أبار البترول؟
– تييري ميسان:
هذا الاختلاف طبيعي، لان القاعدة كتنظيم إسلامي عالمي غير موجود، والعالم كله يستخدم هذه العبارة لكن بمعان مختلفة. هي مجموعات متفرقة تلك التي نشطت في كل من المملكة العربية السعودية والكويت، وهي تعلن ولاءها لنفس التطرف الأيديولوجي، لكن هذا لا يجعل منها جماعات منتسبة لتنظيم دولي، ولا يجعلها مرتبطة مباشرة بمشاكل العالم الأخرى. هذه الجماعات ليست لها القدرة لهجمات واسعة ضد أبار البترول في الخليج، لكن الدول التي تدعمها قادرة على ذلك.
ولي العهد السعودي عبد الله نفسه قد أشار إلى هذه الدول وعلاقاتها بالجماعات التي تتحرك في العربية السعودية. من يشنون الحروب من أجل الاستحواذ على البترول العراقي، هم مستعدون لشن حروب أخرى بغية وضع اليد على البترول الإيراني مستعملين في ذلك أجهزتهم الاستخباراتية للضغط على الدول النفطية " الصديقة"، والتي تريد إعادة تقييم الصفقات البترولية المدارةمنقبل الشركات النفطية الأجنبية.
معدل الاستهلاك الفردي للنفط بالولايات المتحدة يقاس بالضعف مع نظيره بالاتحاد الأوروبي. وقد صرح الرئيس جورج بوش: " نمط حياتنا غير قابل للنقاش"، غير أن مؤشرات سوق البترول الدولية في تراجع. والطلب أكثر من العرض في الوقت الذي يشهد فيه العالم أسواق نفطية جديدة. الدول المتقدمة صارت مدينة من أجل تعزيز اقتصادياتها. فهم يستغلونبترول أعداءهم ثم ينتقلون إلى بترول أصدقائهم. لم تعد تقف الصداقة في وجه هذا.
– العربية:
أخيرا اسمح لي بسؤال أخير، وهو يخص الفائدة المادية والمعنوية التي جنيتها من خلال بيع كتابك؟ البعض يتكلم عن ثروة طائلة جنيتها من وراء بيع الكتاب، وأنه في الحقيقة كان ذلك هو السبب الذي يدفعكم إلى البحث في مثل هذه المسائل الحساسة. كيف ترد على هذه الدعاوى؟
– تييري ميسان:
النجاح العالمي الذي حققته كتبي، جلب إلى مالا كثيرا. إضافة إلى أنه يجب مراعاة الفرق في مستويات النجاح: نجاح كتاب على المستوى العالمي يحقق أقل مما يححقه شريط صوتي على المستوى الوطني. والمال الذي جنيته من بيع كتبي لم أستعمله لأغراضي الشخصية، ولكن من أجل دعم مع بعض من شركائي الجمعية التي أترأسها – شبكة فولتير -. لقد تمكنت من تجميع من حولي كثير من النشطاء المثقفين. تمكنت من تأسيس كثير من الهيئات في أوروبا، العالم العربي وأمريكا اللاتينية، والتي تراعي لي حقوق تأليفي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وهي تدير مواقع الكترونية إخبارية بلغات عديدة.
لقد ركزت دائما عملي لصالح أفكاري، دون أن أغلب مصلحتي الشخصية، أو مستوى معيشتي. قد يكون نجاح بعض المكتبات التي وزعت كتبي قد سمحت لي بتحصيل مال كثير، لكن هذا لم يغير من حياتي. لم أتوفر لا على سيارة، ولا على سكن. لم أذهب للاستقرار على أحد شواطئ الأرض البديعة. واصلت عملي وبمعدل 70 ساعة أسبوعيا عاملا على نشر المقالات. والآن النشرة الإخبارية التي أنشرها تلقى اهتماما كبيرا من بعض الناس وخصوصا المسئولين السياسيين. وستكون متوفرة ومجانا بالعربي عن طريق البريد الالكتروني ابتداءا من الشهر القادم. كثير من الحكومات تستشيرني في تحاليلي بخصوص المسائل الدولية. أنا أفتخر بكون هؤلاء يعطون أهمية لتقاريري، وأن يجدوا في كثير من التصريحات الرسمية وجهات النظر والتحليل التي أعرضها عليهم. غايتي الوحيدة هي النضال من أجل الحرية والسلام. يمكننا أن نشك في جدية مثقف ما أو في وجهات نظره، لكن عن نفسي أنا متيقن أن ما تركته من أعمال لا يترك الحد الأدنى من الشك في نزاهتي.
– العربية:
السيد ميسان، وبعد هذه الأسئلة اسمحوا لي أن أتقدم بتهاني الحارة لكم وبشكري على حسن استماعكم لكم ولكل فريق شبكة فولتير. إلى اللقاء.
أجرى الحوار: السيد خالد مراسل القسم السياسي لقناة العربية
ترجم الحوار الى العربية: هلالي توفيق