لحظة غفوة الوميض، تصبح عتمة القتل نسخا مكررة لتاريخ بدء بالاغتيال ولم ينته بصحوة الضوء ... ما الذي يحمله اغتيال جورج حاوي!!! إنه العودة المملة لصرخات الصحراء، أو حتى لعربدة قيظ الصيف وهو يتمدد على بساط من جغرافية ملت الموت.
في المعادلة السياسية من الصعب أن يصبح إلغاء الآخر بالموت حالة نهائية .. وفي المعادلة الأمنية يبدو تكريس الموت قانونا لا نهائيا لاجتذاب القحط .. وفي معادلة الفوضى البناءة فإن الاغتيال قاعدة ترتكز عليها صورة الدم واللهب والسيارات المفخخة.
منذ ستة أشهر يتلاحق الموت في لبنان .. كما تلاحق سابقا في العراق، وكما بدأ مع الألفية الجديدة في فلسطين، لكن الجريمة التي يتم تكريسها اليوم ليست فقط بحق سياسيين وكتاب وصحفيين وأطفالا أبرياء، إنها يقظة الموت في وجه المجتمع ... وارتكاس الرغبة في الحياة أمام إعصار استراتيجيات "بناءة"...
وإذا كانت لجنة التحقيق الدولية تحاول معرفة من قتل الحريري، فإن المسؤول عن انتشار الموت ربما يبقى مجهولا ... فالاغتيال "شبه" السياسي لا ينفذه جهاز أو شخص ... هذا النوع من الاغتيال مرتبط بقدرة المجتمع على الاختراق .. أو حتى بطاقة الثقافة على التجاوب مع الحلول "البناءة"....!
غياب جورج حاوي ... العبوة الناسفة التي نشرت رائحة الموت .. والصورة القاتمة للاغتيال، هي في النهاية لون يظلل ما بعد لبنان .. لون يمكنه الانتشار على مساحاتنا الجغرافية من "شط العرب" إلى ضفاف حيفا .. هذا الشكل للاغتيال "شبه" السياسي ليس سوى مؤشر .. ولم تعد مسؤولية أحد عندما تتناثر أشلاء إنساننا في السماء ...
فهذه المسؤولية مربوطة حول عنق الجميع .. معلقة على عدم قدرتنا في رسم غد يستيقظ فيه الضوء.