شكى حاكم المصرف المركزي السوري أديب ميالة مؤخراً من أنه على الرغم من جهود سوريا المبذولة لإصلاح اقتصادها فإن البلاد ما تزال بحاجة إلى جلب المزيد من الاستثمارات الأجنبية وبخاصة العربية.
إحدى المبادرات التي اتخذتها الحكومة مؤخراً في المجال الاقتصادي كان إقرار القانون رقم 22 الذي يقضي بإنشاء هيئة الأسواق المالية من أجل تمهيد الطريق أمام إنشاء سوق مالية، وقد أكد المسؤولون أن هذا القانون من شأنه بدون شك أن يساعد على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية إلى البلاد.
طيلة الأربعين عاماً الماضية وسوريا تعيش ضمن اقتصاد مغلق، لكنها بدأت تتحدث علناً في الفترة الأخيرة عن مزايا تحرير الاقتصاد، وتهيئ نفسها لاقتصاد سوق حر. السمة المميزة للاقتصاد السوري حالياً هي أنه ما يزال نظاماً مركزياً يعتمد على الدولة وتديره نخبة من المتنفذين، لكن هناك ما يشير إلى أن سوريا تتحرك في الاتجاه الصحيح. ومن المثير للاهتمام كذلك أن إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي تم اتخاذها مؤخراً كانت قد أقرت من قبل الرئيس بشار الأسد.
لو كانت هذه التغيرات شكلية فلماذا يكبد النظام نفسه عناء التظاهر بأنه مهتم بالإصلاح الاقتصادي، ولو كانت جوهرية فإن هناك المزيد من الأسئلة التي تخطر على البال، وعلى رأسها: لماذا استغرق النظام كل هذا الوقت لتطبيق هذه الإصلاحات مع أن الأسد وعد بها أول ما استلم السلطة؟ خلال مؤتمر حزب البعث الأخير في حزيران جدد البعث وعوده بتطبيق إصلاح اقتصادي واسع النطاق في المستقبل القريب جداً، وإذا كنا سنصدق هذه الوعود فهل يمكن لنا أن نشك بأن شيئاً ما جديداً قد حصل بحيث جعل القيام بمثل هذا التحرك السريع أمراً ضرورياً ومستعجلاًَ؟ كما أن المرء لا يستطيع أن يمنع نفسه من التساؤل حول السبب في أن سوريا، التي كانت تطبل وتزمر للإصلاح الاقتصادي لم تشهد سوى تحسناً ضئيلاً في وضعها الاقتصادي.
ربما كان سبب فشل النظام في إصلاح الاقتصاد موجود ضمن صفوف الحزب الحاكم نفسه. في الحقيقة تعتبر فكرة الإصلاح الاقتصادي نفسها مناقضة للأيديولوجيا الاشتراكية التي يتبناها حزب البعث. وليس خافياً على أحد كذلك أن غالبية من هم في السلطة يستفيدون من النظام القائم وليس لديهم مصلحة حقيقية في تغييره.
والآن بعد أن انقضى مؤتمر البعث، يبدو أن الحل أمام الأسد هو أن يعقد مؤتمراً لرجال الأعمال ذوي الفكر الإصلاحي من أجل أن يعيد تقييم العلاقات بين القطاع العام المهيمن وبين القطاع الخاص الناشئ. وقد يلاقي الأسد النجاح في حال تمكن من إبعاد الاقتصاد السوري عن أولئك الذين تسببوا حتى الآن في تحجيم تطور البلاد. من المؤكد أن حركة شجاعة كهذه تصدر عن قائد البلاد من شأنها أن تسرع العملية التي يأمل حاكم المصرف المركزي أن تحقق لبلاده الفائدة المرجوة: ألا وهي زيادة ثقة المستثمرين.