العاصفة الرملية في بغداد ليست حدثا طبيعيا ... واستنشاق اصفرار الحياة كان قبل أن تقرر الطبيعة رسم لون خاص لبغداد، لأن زحف الصحراء رافق المنطقة وهو ليس حكرا على العراق.
العاصفة الرملية في بغداد ليست حدثا طبيعيا ... واستنشاق اصفرار الحياة كان قبل أن تقرر الطبيعة رسم لون خاص لبغداد، لأن زحف الصحراء رافق المنطقة وهو ليس حكرا على العراق.
والعاصفة التي أطلق عليها البعض "العاصفة البرتقالية" لم تكن اشتقاقا لبعض انتفاضات "الديمقراطية" التي شقت الطريق نحو آليات التفكير لبعض النخب الثقافية، لكنها تعبر في بعض جوانبها عن
صرخات اجتياح الماضي بتزيف معاصر. لكن لهذه العاصفة مقاربتين:
- الأولى أنها مترافقة مع صياغة الدستور العراقي، وصياغة الدستور بذاتها تشكل عاصفة أو نسفا للتفكير المعاصر الذي رسم العراق، مع اعترافنا أن نتائج المعاصرة لم تكن كما أراد رواد الحداثة والمعارضة، وليس بالضرورة أن يحمل الانتكاس نحو "الطائفة" و "الدين" و "الأثنية" صورة مشرقة لعراق أو لشرق خال من "العنف".
- الثاني أن العاصفة منعت لجنة صياغة الدستور من الانعقاد، لكنها لم توقف كتائب الموت من التعامل مع المواطنين كـ"قرابين للجنة". بل ربما شعرت أن زحف الصحراء على بغداد هو اللون المناسب لها، وهو الصورة المستقبلية التي تريدها ... وهو خلاصة الموت الثقافي قبل الموت البيولوجي.
العاصفة البرتقالية على حد تعبير بعض الصحف العربية، ليس مصطلحا جماليا بل مغالطة في استخدام اللون، أو ما يقدمه من صور ذهنية، فكيف للرمل أن يستحيل بيارات برتقال جسدت "الحلم الفلسطيني"، وكانت مجالا لتشكيل أدب جديد أعاد رسم الجغرافية وفق معان صاغت من جديد علاقة الإنسان بالأرض.
ربما أوحت العاصفة في بغداد بأن التاريخ الذي يكتب اليوم يحتاج بالفعل إلى نظرة جديدة، وما يحدث في العراق يتشابك مع الطيف الاجتماعي في "الشرق القديم" بأسلوب من التداعيات ... أو الإيحاءات التي سرعان ما تصبح شكلا واقعيا بعد أن كانت مجرد شطحات فكرية.
لبغداد اليوم ثلاث وجوه: الأول يصعقنا باعتراف دولي للاستباحة. والثاني يقرع العقل برغبة التراث في لإراقة الدم. والثالث اختلاط لوني لمجتمع خلق الحضارة ثم تعثر على امتداد أكثر من عشر قرون.