من بعيد، وفيما لو قرأنا العلاقات الثنائية من منظور سياسي فقط، سوف نعيد ونكرر: «ان العلاقة السورية - الايرانية رائعة وتاريخية» لكن فيما لو تفحصنا فيها جيدا، سوف نجد أن هذه العلاقة الرائعة وهذا «التحالف» لم يفلح رغم مرور أكثر من ربع قرن على تجاوز رقم الـ 100 مليون دولار أميركي وهو حجم المبادلات التجارية، إضافة الى محادثات ما زالت مستمرة بخصوص انشاء معمل لتجميع السيارات الايرانية وخط للتجميع ستتشارك فيه كل من شركتي «سابيا» و«ايران خودرو» في وقت يتطلع السوريون لركوب «الأودي» و«المرسيديس» الالمانية و«B,M,W» وما تنتجه بقية الأسواق الأوروبية واليابانية من سيارات تتصف بالقوة والرفاهية وليس ما تقذفه الى أسواقهم مصانع الدول «الحليفة».
طبعا يجب ألا ننسى نحو 350 ألف ايراني يأتون الى سورية سنويا بقصد زيارة مقام السيدة زينب وبقية الأماكن ذات المكانة الدينية عند الشيعة والموجودة بكثرة في دمشق, هؤلاء السياح والحجاج، وغالبيتهم من الطاعنين والطاعنات وليس من الشباب والصبايا الايرانيات الجميلات ، يأتون بالمكسرات الايرانية اللذيذة وبعض السلع لبيعها في السوق السورية من أجل تخفيف نفقات السياحة والزيارة.
على المستوى السياسي يبدو المشهد مختلفا، العلاقة تبدو أكبر من الأرقام، كما أنها لا تطمح حتى الى تعزيزها، فثمة أطمئنان وثقة متبادلة بديمومتها على خلفية الهواجس والمخاوف المشتركة من الوجود الأميركي في المنطقة الذي ترى فيه كل من دمشق وطهران تهديدا لدورهما ومكانتهما الاقليمية.
اليوم تتجه العلاقة الى أفق جديد مع وصول رئيس ايراني جديد معروف بتشدده ، لكن قبل ذلك نود التذكير بأنه منذ أكثر من عام، قلد الرئيس بشار الأسد وزير الدفاع الإيراني علي شمخاني وساما في ختام زيارة الأخير لدمشق ووقتها كانت طهران تعيش على إيقاع الفوز الذي حققه المحافظون الإيرانيون في انتخابات مجلس الشورى، لقد كانت إشارة من دمشق تعكس ما تريده من طهران وما تفضله من مناخات .
ومنذ أيام وصف الرئيس الايراني الجديد محمود أحمدي نجاد نظيره السوري بشار الاسد الذي كان أول الزائرين والمهنئين ، بأنه «صديق الامة الايرانية»، ودمشق بأنها «خط الجبهة الامامي للدفاع عن الامة الاسلامية» وان «التهديدات والعدوان المشترك تجعلنا نتلاحم ونؤكد ضرورة استمرار التعاون والتعاضد والتواصل في ما بيننا أكثر من الماضي», وأعلن ان «لا حد لتعاون ايران وسورية»,,, إنها مناخات التشدد المنتشية التي بدأت تعبر عن ذاتها على وقع الضربات التي تتلقاها القوات الأميركية في العراق وبعد الإعلان البريطاني الواضح عن خطة لتخفيف عديد القوات البريطانية في العراق وإعلان آخر أميركي أتى على لسان الجنرال جون أبي زيد.
صحيح أن العلاقات مع محمود أحمدي نجاد لن تتجه الى حدود تشكيل «جبهة واحدة» في مواجهة التهديدات، كتلك التي تحدث عنها رئيس الوزراء السوري محمد ناجي عطري في 16 فبراير الماضي خلال وجوده في طهران سرعان ما بددها الإيرانيون، لكن ثمة فرحا في دمشق لمجيء رجل محافظ ومتشدد مثل نجاد.
في هذا السياق لا بد من التنويه الى أن الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله كان قد سبق الأسد الى طهران بأيام قليلة في زيارة لفتت الأنظار خصوصاً أنها تأتي في ظل نقاشات داخلية لبنانية عن مصير سلاح الحزب، وفي ظل مطالبات أميركية عن مصير الشق المتعلق «بتسليم سلاح الميليشيات» من القرار 1559 ,لذلك فإن فهم أبعاد زيارة الرئيس بشار الأسد تصبح ممكنة بعد قراءة خلفيات ونتائج زيارة زعيم حزب الله الى طهران، حيث يعتبر الأطراف الثلاثة (ايران-سورية-حزب الله) أنفسهم أكثر المعنيين في ما يجري في المنطقة والأكثر استهدافا من قبل الولايات المتحدة التي تتهم كلا من دمشق وطهران بدعم «المتمردين» في العراق، وبعد دخول واشنطن أيضا على خط ومستقبل العملية السياسية في لبنان منذ صدور القرار 1559 وخروج القوات السورية.
وبإضافة الموضوع اللبناني ومصير سلاح حزب الله الى الملف العراقي يتضح تماما أن هناك بعدا إقليميا كان وراء زيارة الأسد إلى طهران يتجاوز «العلاقة الثنائية» التي تبدو مستقرة وراسخة منذ زمن بعيد.
لقد أتت المباحثات السورية - الايرانية في توقيت بالغ الدلالة، ابرز ملامحه نجاح حزب الله في الانتخابات النيابية وتحقيقه فوزا كاسحا، ثم مشاركة الحزب وللمرة الأولى في الحكومة اللبنانية، وهي الخطوة التي أثارت تحفظات أميركية, هنا يصبح مفيدا التوقف عند مضامين الكلام السياسي الذي أطلق في اثناء زيارة حسن نصر الله ولا سيما الكلام الذي صدر عن مرشد الجمهورية الايرانية آية الله علي الخامنئي، عندما اشاد بمهارة حزب الله القتالية في المقاومة «وكذلك مهارته على الصعيد السياسي»، في اشارة ضمنية الى تشجيع إيراني لقرار حزب الله القاضي بالمشاركة في الحكومة, وإعطاءه (أي خامنئي) إشارات الى ان المشاركة وقبلها الفوز الساحق في الانتخابات يعتبر هزيمة للمشروع الأميركي.
كذلك يجب التوقف عند تصريح نصر الله بأن الانسحاب الاسرائيلي المرتقب من غزة هو «النصر الثاني للمقاومة خلال خمس سنوات، اي أن حزب الله وإيران شريكان في النصر».
وعليه يمكن القول ان زيارة الأسد أتت ضمن هذه المناخات «المتشددة » لكن السؤال الذي يفرض نفسه هنا، ونعتبره جوهريا هو : أي خلفيات وأي اسباب تدفع إيران اليوم للتمسك بورقة حزب الله اللبناني وما هي مراميها للدفاع عنه وعن سلاحه، وهل لذلك علاقة بأجندة داخلية أم ان هناك دوافع أخرى؟ كذلك أين تكمن المصلحة السورية في الدفاع والتحالف مع حزب الله ومعارضتها للتوجهات الأميركية الرامية الى تسليم الحزب لسلاحه؟ وعليه ما هي الآفاق التي تنتظر مثل هذا التحالف؟
من الواضح أن لكل من دمشق وطهران رؤية ودوافع مختلفة حتى لو بدا ان هناك حالة عالية من التنسيق والتفاهم، فإيران التي انشغلت منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 بالمسألة العراقية وسعت إلى تأمين مصالحها بعد عقود من الحرب والقطيعة مع النظام السابق في بغداد، صار لديها أولويات جديدة ربما تكون بعيدة عن أولويات دمشق وخصوصاً تلك المتعلقة بالصراع العربي - الاسرائيلي، ، كذلك فإن إيران ومنذ البدء والسعي إلى امتلاك التقنية النووية سواء لأغراض سلمية أو غيرها، انشغلت وشغلت معها الولايات المتحدة وأوروبا بملف لا يقل خطورة عن الملف العراقي, وعليه فإن الموقف الايراني من حزب الله يختلف عن موقف ورؤية وعلاقة دمشق مع الحزب.
فإذا كان الهدف الايراني يتعلق باستخدام الحزب كورقة ضغط لمواجهة أي تصعيد وضغوط اميركية على طهران بسبب الملف النووي، ويعطيها كذلك ورقة تستطيع من خلالها الوجود في العديد من الملفات الاقليمية، ، فإن سورية ترى في الحفاظ على سلاح حزب الله ضمانة وحماية «لأمنها الاستراتيجي» حسب ما صرح به رئيس الوزراء السوري محمد ناجي عطري, كذلك فإن بقاء الحزب على قوته العسكرية يمد دمشق بعامل قوة ورصيد استراتيجي هي في أمس الحاجة اليه بعدما ضعفت وتقلصت أوراقها الإقليمية منذ الاحتلال الأميركي للعراق.
وعليه هناك مخاوف سورية هي ما تدفع للتحالف مع حزب الله والدفاع عن خياره بالحفاظ على سلاحه وبالتالي الحفاظ على علاقة جيدة مع ايران حيث يستمد الحزب دعمه المالي وأسباب قوته من إيران، بينما هدف طهران من وراء العلاقة مع حزب الله ودعمه يتعلق بأجندة طموحة من المصالح الإيرانية الاقليمية وباجندة أخرى تتعلق بالعلاقة الايرانية - الأميركية, وبملف كبير كالملف النووي.
التقاء المصالح السورية - الايرانية في الدفاع عن حزب الله وسلاح المقاومة يجب ألا يعني توافقا تاما ودائما على هذه المسألة، إن ذلك سيبقى خاضعا ومتأثرا بمسارات ثلاثة هي:
-مسار العلاقة السورية - الأميركية سواء باتجاه التهدئة أم باتجاه التصعيد.
-مسار العلاقة الايرانية - الأميركية، والمفاوضات الأوروبية الايرانية حول الملف النووي الايراني.
-مسار العملية السياسية في لبنان ومستقبل النقاش حول سلاح الحزب.
لذلك فإن بقاء واستمرار الخلافات الأميركية مع كل من دمشق وطهران سيمد التحالف الثلاثي بين طهران ودمشق وحزب الله بمزيد من أسباب الاستمرار, أما تحقق انفراج بين واشنطن وأحد الطرفين وصولا لتحقيق تفاهم، فإنه سيترك آثاره العميقة على العلاقة الثنائية من جهة وعلى مستقبل الحزب من جهة أخرى.
وإلى اليوم لا يبدو، وخصوصاً مع وصول رئيس جديد الى قمة السلطة في ايران بمواصفات محمود أحمدي نجاد، أن انفراجا قريبا سيحصل بين طهران وواشنطن بقدر ما سيثبّت الاوضاع القائمة، كذلك فإن الزيارة التي قام بها الرئيس الأسد مهنئا ومباركا، وهو كما أسلفنا اول من هنّأ، تعكس اتجاها سورياً موازيا يؤشر على حجم الخلاف ومدى ما تعيشه العلاقات السورية - الاميركية من تقهقر.